الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

قال ابن عباس: قال المسلمون لئن كنا كلما استهزأ المشركون بالقرآن وخاضوا فيه قمنا عنهم لما قدرنا على أن نجلس في المسجد الحرام وأن نطوف بالبيت، فنزلت هذه الآية وحصلت الرخصة فيها للمؤمنين بأن يقعدوا معهم ويذكرونهم ويفهمونهم. قال ومعنى الآية: { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ } الشرك والكبائر والفواحش { مِنْ حِسَابِهِم } من آثامهم { مّن شَىْء وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ } قال الزجاج: قوله { ذِكْرَى } يجوز أن يكون في موضع رفع، وأن يكون في موضع نصب. أما كونه في موضع رفع فمن وجهين: الأول: ولكن عليكم ذكرى أي أن تذكروهم وجائز أن يكون ولكن الذي تأمرونهم به ذكرى، فعلى الوجه الأولى الذكرى بمعنى التذكير، وعلى الوجه الثاني الذكرى تكون بمعنى الذكر وأما كونه في موضع النصب، فالتقدير ذكروهم ذكرى لعلهم يتقون. والمعنى لعل ذلك الذكرى يمنعهم من الخوض في ذلك الفضول. قوله تعالى: { وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِىٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أوْلـَٰئكَ ٱلذينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُواْ لَهُمُ شَرَابٌ مِنْ حَميمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِمَا كانواْ يَكفُرُونَ } اعلم أن هؤلاء هم المذكورون بقوله: { ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِى ءايَـٰتِنَا } ومعنى { ذَرْهُمْ } أعرض عنهم وليس المراد أن يترك إنذارهم لأنه تعالى قال بعده: { وَذَكّرْ بِهِ } ونظيره قوله تعالى: { أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } والمراد ترك معاشرتهم وملاطفتهم ولا يترك إنذارهم وتخويفهم. واعلم أنه تعالى أمر الرسول بأن يترك من كان موصوفاً بصفتين: الصفة الأولى: أن يكون من صفتهم أنهم اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وفي تفسيره وجوه: الأول: المراد أنهم اتخذوا دينهم الذي كلفوه ودعوا إليه وهو دين الإسلام لعباً ولهواً حيث سخروا به واستهزؤوا به. الثاني: اتخذوا ما هو لعب ولهو من عبادة الأصنام وغيرها ديناً لهم. الثالث: أن الكفار كانوا يحكمون في دين الله بمجرد التشهي والتمني، مثل تحريم السوائب والبحائر وما كانوا يحتاطون في أمر الدين البتة، ويكتفون فيه بمجرد التقليد فعبر الله تعالى عنهم أنهم اتخذوا دينهم لعباً ولهواً. والرابع: قال ابن عباس جعل الله لكل قوم عيداً يعظمونه ويصلون فيه ويعمرونه بذكر الله تعالى. ثم إن الناس أكثرهم من المشركين، وأهل الكتاب اتخذوا عيدهم لهواً ولعباً غير المسلمين فإنهم اتخذوا عيدهم كما شرعه الله تعالى. والخامس: وهو الأقرب، أن المحقق في الدين هو الذي ينصر الدين لأجل أنه قام الدليل على أنه حق وصدق وصواب. فأما الذين ينصرونه ليتوسلوا به إلى أخذ المناصب والرياسة وغلبة الخصم وجمع الأموال فهم نصروا الدين للدنيا، وقد حكم الله على الدنيا في سائر الآيات بأنها لعب ولهو.

السابقالتالي
2 3