الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن هذا نوع آخر من دلائل التوحيد وهو ممزوج بنوع من التخويف فبين كونه تعالى قادراً على إيصال العذاب إليهم من هذه الطرق المختلفة، وأما إرسال العذاب عليهم تارة من فوقهم، وتارة من تحت أرجلهم ففيه قولان: الأول: حمل اللفظ على حقيقته فنقول: العذاب النازل عليهم من فوق مثل المطر النازل عليهم من فوق، كما في قصة نوح والصاعقة النازلة عليهم من فوق. وكذا الصيحة النازلة عليهم من فوق. كما حصب قوم لوط، وكما رمى أصحاب الفيل، وأما العذاب الذي ظهر من تحت أرجلهم. فمثل الرجفة، ومثل خسف قارون. وقيل: هو حبس المطر والنبات وبالجملة فهذه الآية تتناول جميع أنواع العذاب التي يمكن نزولها من فوق، وظهورها من أسفل. القول الثاني: أن يحمل هذا اللفظ على مجازه. قال ابن عباس: في رواية عن عكرمة عذاباً من فوقكم أي من الأمراء، ومن تحت أرجلكم من العبيد والسفلة. أما قوله: { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } فاعلم أن الشيع جمع الشيعة، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة والجمع شيع وأشياع. قال تعالى:كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَـٰعِهِم مّن قَبْلُ } [سبأ: 54] وأصله من الشيع وهو التبع، ومعنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضاً. قال الزجاج قوله: { يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } يخلط أمركم خلط اضطراب لا خلط اتفاق، فيجعلكم فرقاً ولا تكونون فرقة واحدة، فإذا كنتم مختلفين قاتل بعضكم بعضاً وهو معنى قوله: { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية شق ذلك على الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: " ما بقاء أمتي إن عوملوا بذلك " فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك فادع ربك لأمتك، فسأل ربه أن لا يفعل بهم ذلك. فقال جبريل: إن الله قد أمنهم من خصلتين أن لا يبعث عليهم عذاباً من فوقهم كما بعثه على قوم نوح ولوط، ولا من تحت أرجلهم كما خسف بقارون ولم يجرهم من أن يلبسهم شيعاً بالأهواء المختلفة ويذيق بعضهم بأس بعض بالسيف. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة الناجية فرقة " وفي رواية أخرى كلهم في الجنة إلا الزنادقة. المسألة الثانية: ظاهر قوله: { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } هو أنه تعالى يحملهم على الأهواء المختلفة والمذاهب المتنافية. وظاهر أن الحق منها ليس إلا الواحد، وما سواه فهو باطل فهذا يقتضي أنه تعالى قد يحمل المكلف على الاعتقاد الباطل وقوله: { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ } لا شك أن أكثرها ظلم ومعصية، فهذا يدل على كونه تعالى خالقاً للخير والشر، أجاب الخصم عنه بأن الآية تدل على أن الله تعالى قادر عليه وعندنا الله قادر على القبيح.

السابقالتالي
2