الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَآءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } * { قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ }

قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ نفَصّلُ ٱلأيَـٰتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ }. المراد كما فصلنا لك في هذه السورة دلائلنا على صحة التوحيد والنبوة والقضاء والقدر، فكذلك نميز ونفصل لك دلائلنا وحججنا في تقرير كل حق ينكره أهل الباطل وقوله: { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ } عطف على المعنى كأنه قيل ليظهر الحق وليستبين، وحسن هذا الحذف لكونه معلوماً واختلف القراء في قوله { ليستبين } فقرأ نافع { لتستبين } بالتاء { وسبيل } بالنصب والمعنى لتستبين يا محمد سبيل هؤلاء المجرمين. وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم { ليستبين } بالياء { مّن سَبِيلٍ } بالرفع والباقون بالتاء { وسبيل } بالرفع على تأنيث سبيل. وأهل الحجاز يؤنثون السبيل، وبنو تميم يذكرونه. وقد نطق القرآن بهما فقال سبحانهوَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } [الأعراف: 146] وقالوَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا } [إبراهيم: 3]. فإن قيل: لم قال { وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ } ولم يذكر سبيل المؤمنين. قلنا: ذكر أحد القسمين يدل على الثاني. كقولهسَرَابِيلَ تقيكم ٱلْحَرَّ } [النحل: 81] ولم يذكر البرد. وأيضاً فالضدان إذا كانا بحيث لا يحصل بينهما واسطة، فمتى بانت خاصية أحد القسمين بانت خاصية القسم الآخر والحق والباطل لا واسطة بينهما، فمتى استبانت طريقة المجرمين فقد استبانت طريقة المحقين أيضاً لا محالة. قوله تعالى: { قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ من المهتدين قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين }. اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية المتقدمة ما يدل على أنه يفصل الآيات ليظهر الحق وليستبين سبيل المجرمين، ذكر في هذه الآية أنه تعالى نهى عن سلوك سبيلهم. فقال: { قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } وبين أن الذين يعبدونها إنما يعبدونها بناء على محض الهوى والتقليد، لا على سبيل الحجة والدليل، لأنها جمادات وأحجار وهي أخس مرتبة من الإنسان بكثير، وكون الأشرف مشتغلاً بعبادة الأخس أمر يدفعه صريح العقل. وأيضاً أن القوم كانوا ينحتون تلك الأصنام ويركبونها، ومن المعلوم بالبديهة أنه يقبح من هذا العامل الصانع أن يعبد معموله ومصنوعه. فثبت أن عبادتها مبنية على الهوى. ومضادة للهدى، وهذا هو المراد من قوله { قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ } ثم قال: { قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } أي إن اتبعت أهواءكم فأنا ضال وما أنا من المهتدين في شيء. والمقصود كأنه يقول لهم أنتم كذلك. ولما نفى أن يكون الهوى متبعاً، على ما يجب اتباعه بقوله: { قُلْ إِنّى عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّى } أي في أنه لا معبود سواه.

السابقالتالي
2