الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: في تقرير وجه النظم، فنقول فيه وجهان: الأول: أنه تعالى بيّن في الآية الأولى أنه لو كان إنزال سائر المعجزات مصلحة لهم لفعلها ولأظهرها إلا أنه لما لم يكن إظهارها مصلحة للمكلفين، لا جرم ما أظهرها. وهذا الجواب إنما يتم إذا ثبت أنه تعالى يراعي مصالح المكلفين ويتفضل عليهم بذلك فبيّن أن الأمر كذلك، وقرره بأن قال: { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى ٱلاْرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ } في وصول فضل الله وعنايته ورحمته وإحسانه إليهم، وذلك كالأمر المشاهد المحسوس فإذا كانت آثار عنايته واصلة إلى جميع الحيوانات فلو كان في إظهار هذه المعجزات القاهرة مصلحة للمكلفين لفعلها ولأظهرها ولامتنع أن يبخل بها مع ما ظهر أنه لم يبخل على شيء من الحيوانات بمصالحها ومنافعها وذلك يدل على أنه تعالى إنما لم يظهر تلك المعجزات، لأن إظهارها يخل بمصالح المكلفين. فهذا هو وجه النظم والمناسبة بين هذه الآية وبين ما قبلها والله أعلم. الوجه الثاني في كيفية النظم: قال القاضي: إنه تعالى لما قدم ذكر الكفار وبين أنهم يرجعون إلى الله ويحشرون بين أيضاً بعده بقوله { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ } في أنهم يحشرون، والمقصود: بيان أن الحشر والبعث كما هو حاصل في حق الناس فهو أيضاً حاصل في حق البهائم. المسألة الثانية: الحيوان إما أن يكون بحيث يدب أو يكون بحيث يطير فجميع ما خلق الله تعالى من الحيوانات، فإنه لا يخلو عن هاتين الصفتين، إما أن يدب، وإما أن يطير. وفي الآية سؤالات: السؤال الأول: من الحيوان ما لا يدخل في هذين القسمين مثل حيتان البحر، وسائر ما يسبح في الماء ويعيش فيه. والجواب: لا يبعد أن يوصف بأنها دابة من حيث إنها تدب في الماء أو هي كالطير، لأنها تسبح في الماء، كما أن الطير يسبح في الهواء، إلا أن وصفها بالدبيب أقرب إلى اللغة من وصفها بالطيران. السؤال الثاني: ما الفائدة في تقييد الدابة بكونها في الأرض؟ والجواب من وجهين: الأول: أنه خص ما في الأرض بالذكر دون ما في السماء احتجاجاً بالأظهر لأن ما في السماء وإن كان مخلوقاً مثلنا فغير ظاهر، والثاني: أن المقصود من ذكر هذا الكلام أن عناية الله تعالى لما كانت حاصلة في هذه الحيوانات فلو كان إظهار المعجزات القاهرة مصلحة لما منع الله من إظهارها. وهذا المقصود إنما يتم بذكر من كان أدون مرتبة من الإنسان لا بذكر من كان أعلى حالاً منه، فلهذا المعنى قيد الدابة بكونها في الأرض.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8