الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } * { أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ }

اعلم أن قوله: { وَهَـٰذَا كِتَـٰبٌ } لا شك أن المراد هو القرآن وفائدة وصفه بأنه مبارك أنه ثابت لا يتطرق إليه النسخ كما في الكتابين، أو المراد أنه كثير الخير والنفع. ثم قال: { فَٱتَّبِعُوهُ } والمراد ظاهر. ثم قال: { وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي لكي ترحموا. وفيه ثلاثة أقوال: قيل اتقوا مخالفته على رجاء الرحمة، وقيل: اتقوا لترحموا، أي ليكون الغرض بالتقوى رحمة الله، وقيل: اتقوا لترحموا جزاء على التقوى. ثم قال تعالى: { أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ ٱلْكِتَـٰبُ عَلَىٰ طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا } وفيه وجوه: الوجه الأول: قال الكسائي والفراء، والتقدير: أنزلناه لئلا تقولوا، ثم حذف الجار وحرف النفي، كقوله:يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [النساء: 176] وقوله:رَوَاسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [النحل: 15] أي لئلا. والوجه الثاني: وهو قول البصريين معناه: أنزلناه كراهة أن تقولوا ولا يجيزون إضمار «لا» فإنه لا يجوز أن يقال: جئت أن أكرمك بمعنى: أن لا أكرمك، وقد ذكرنا تحقيق هذه المسألة في آخر سورة النساء. والوجه الثالث: قال الفراء: يجوز أن يكون «أن» متعلقة باتقوا، والتأويل: واتقوا أن تقولوا إنما أنزل الكتاب. البحث الثاني: قوله: { أَن تَقُولُواْ } خطاب لأهل مكة، والمعنى: كراهة أن يقول أهل مكة أنزل الكتاب، وهو التوراة والإنجيل على طائفتين من قبلنا، وهم اليهود والنصارى، وإن كنا «إن» هي المحففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، والأصل وأنه كنا عن دراستهم لغافلين، والمراد بهذه الآيات إثبات الحجة عليهم بإنزال القرآن على محمد كي لا يقولوا يوم القيامة إن التوراة والإنجيل أنزلا على طائفتين من قبلنا وكنا غافلين عما فيهما، فقطع الله عذرهم بإنزال القرآن عليهم وقوله: { وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَـٰفِلِينَ } أي لا نعلم ما هي، لأن كتابهم ما كان بلغتنا، ومعنى أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم، مفسر للأول في أن معناه لئلا يقولوا ويحتجوا بذلك، ثم بين تعالى قطع احتجاجهم بهذا، وقال: { فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيّنَةٌ مّن رَّبّكُمْ } وهو القرآن وما جاء به الرسول { وَهُدًى وَرَحْمَةٌ }. فإن قيل: البينة والهدى واحد، فما الفائدة في التكرير؟ قلنا: القرآن بينة فيما يعلم سمعاً وهو هدى فيما يعلم سمعاً وعقلاً، فلما اختلفت الفائدة صح هذا العطف، وقد بينا أن معنى { رَحْمَةً } أي أنه نعمة في الدين. ثم قال تعالى: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ } والمراد تعظيم كفر من كذب بآيات الله، وصدف عنها، أي منع عنها، لأن الأول ضلال، والثاني منع عن الحق وإضلال. ثم قال تعالى: { سَنَجْزِى ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَـٰتِنَا سُوء ٱلْعَذَابِ } وهو كقوله:ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ زِدْنَـٰهُمْ عَذَابًا فَوْقَ ٱلْعَذَابِ } [النحل: 88].