الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنَ ٱلأَنْعَٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَٰتِ ٱلشَّيْطَٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ } * { وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ }

اعلم أنه تعالى لما ذكر كيفية إنعامه على عباده بالمنافع النباتية أتبعها بذكر إنعامه عليهم بالمنافع الحيوانية. فقال: { وَمِنَ ٱلانْعَـٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشًا } وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: «الواو» في قوله: { وَمِنَ ٱلأنْعَـٰمِ حَمُولَةً وَفَرْشًا } توجب العطف على ما تقدم من قوله:وَهُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَ جَنَّـٰتٍ مَّعْرُوشَـٰتٍ } [الأنعام: 141] والتقدير: وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات، وأنشأ من الأنعام حمولة وفرشاً وكثر أقوالهم في تفسير الحمولة والفرش وأقربها إلى التحصيل وجهان: الأول: أن الحمولة ما تحمل الأثقال والفرش ما يفرش للذبح أو ينسج من وبره وصوفه وشعره للفرش. والثاني: الحمولة ـ الكبار التي تصلح للحمل، والفرش ـ الصغار كالفصلان والعجاجيل والغنم لأنها دانية من الأرض بسبب صغر أجرامها مثل الفرش المفروش عليها. ثم قال تعالى: { كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ } يريد ما أحلها لكم. قالت المعتزلة: إنه تعالى أمر بأكل الرزق، ومنع من أكل الحرام، ينتج أن الرزق ليس بحرام. ثم قال: { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } أي في التحليل والتحريم من عند أنفسكم كما فعله أهل الجاهلية { خُطُوٰتِ } جمع خطوة وهي ما بين القدمين قال الزجاج: وفي { خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } ثلاثة أوجه: بضم الطاء وفتحها وبإسكانها، ومعناه: طرق الشيطان أي لا تسلكوا الطريق الذي يسوله لكم الشيطان. ثم قال تعالى: { إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } أي بين العداوة، أخرج آدم من الجنة، وهو القائللأحْتَنِكَنَّ ذُرّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً } [الإسراء: 62]. ثم قال تعالى: { ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } وفيه بحثان: البحث الأول: في انتصاب قوله: { ثَمَـٰنِيَة } وجهان: الأول: قال الفراء: انتصب ثمانية بالبدل من قوله: { حَمُولَةً وَفَرْشًا } والثاني: أن يكون التقدير: كلوا مما رزقكم الله ثمانية أزواج. البحث الثاني: الواحد إذا كان وحده فهو فرد، فإذا كان معه غيره من جنسه سمي زوجاً، وهما زوجان بدليل قوله:خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [النجم: 45] وبدليل قوله: { ثَمَـٰنِيَةَ أَزْوٰجٍ } ثم فسرها بقوله: { مّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ... وَمِنَ ٱلإِبِلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ }. ثم قال: { وَمِنْ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ } يعني الذكر والأنثى، والضأن ذوات الصوف من الغنم. قال الزجاج: وهي جمع ضائن وضائنة مثل تاجر وتاجرة ويجمع الضأن أيضاً على الضئين بكسر الضاد وفتحها وقوله: { وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ } قرىء { وَمِنَ ٱلْمَعْزِ } بفتح العين، والمعز ذوات الشعر من الغنم ويقال للواحد: ماعز وللجمع: معزى. فمن قرأ { ٱلْمَعْزِ } بفتح العين فهو جمع ماعز، مثل خادم وخدم وطالب وطلب، وحارس وحرس. ومن قرأ بسكون العين فهو أيضاً جمع ماعز كصاحب وصحب، وتاجر وتجر، وراكب وركب. وأما انتصاب اثنين فلأن تقدير الآية أنشأ ثمانية أزواج أنشأ من الضأن اثنين ومن المعز اثنين وقوله: { قُلْ ءآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ } نصب الذكرين بقوله: { حَرَّمَ } والاستفهام يعمل فيه ما بعده ولا يعمل فيه ما قبله.

السابقالتالي
2 3