الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَ جَنَّٰتٍ مَّعْرُوشَٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَٰتٍ وَٱلنَّخْلَ وَٱلزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُتَشَٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى جعل مدار هذا الكتاب الشريف على تقرير التوحيد والنبوة والمعاد وإثبات القضاء والقدر، وأنه تعالى بالغ في تقرير هذه الأصول، وانتهى الكلام إلى شرح أحوال السعداء والأشقياء، ثم انتقل منه إلى تهجين طريقة من أنكر البعث والقيامة، ثم أتبعه بحكاية أقوالهم الركيكة، وكلماتهم الفاسدة في مسائل أربعة. والمقصود التنبيه على ضعف عقولهم، وقلة محصولهم، وتنفير الناس عن الالتفات إلى قولهم، والاغترار بشبهاتهم فلما تمم هذه الأشياء عاد بعدها إلى ما هو المقصود الأصلي، وهو إقامة الدلائل على تقرير التوحيد فقال: { وَهُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَ جَنَّـٰتٍ مَّعْرُوشَـٰتٍ }. واعلم أنه قد سبق ذكر هذا الدليل في هذه السورة، وهو قوله:وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضراً نخرج منه حباً متراكباً ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون } [الأنعام: 99] فالآية المتقدمة ذكر تعالى فيها خمسة أنواع، وهي: الزرع والنخل، وجنات من أعناب والزيتون والرمان، وفي هذه الآية التي نحن في تفسيرها ذكر هذه الخمسة بأعيانها لكن على خلاف ذلك الترتيب لأنه ذكر العنب، ثم النخل، ثم الزرع، ثم الزيتون ثم الرمان وذكر في الآية المتقدمة { مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ } وفي هذه الآية { مُتَشَـٰبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَـٰبِهٍ } ثم ذكر في الآية المتقدمة { ٱنْظُرُواْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ } فأمر تعالى هناك بالنظر في أحوالها والاستدلال بها على وجود الصانع الحكيم، وذكر في هذه الآية { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَءاتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } فأذن في الانتفاع بها، وأمر بصرف جزء منها إلى الفقراء، فالذي حصل به الامتياز بين الآيتين أن هناك أمر بالاستدلال بها على الصانع الحكيم وههنا أذن في الانتفاع بها، وذلك تنبيه على أن الأمر بالاستدلال بها على الصانع الحكيم مقدم على الإذن في الانتفاع بها لأن الحاصل من الاستدلال بها سعادة روحانية أبدية والحاصل من الانتفاع بهذه سعادة جسمانية سريعة الانقضاء، والأول أولى بالتقديم، فلهذا السبب قدم الله تعالى الأمر بالاستدلال بها على الإذن بالانتفاع بها. المسألة الثانية: قوله: { وَهُوَ ٱلَّذِى أَنشَأَ } أي خلق، يقال: نشأ الشيء ينشأ نشأة ونشاءة إذا ظهر وارتفع والله ينشئه إنشاء أي يظهره ويرفعه وقوله: { جَنَّـٰتٍ مَّعْرُوشَـٰتٍ } يقال عرشت الكرم أعرشه عرشاً وعرشته تعريشاً، إذا عطفت العيدان التي يرسل عليها قضبان الكرم، والواحد عرش، والجمع عروش، ويقال: عريش وجمعه عرش، واعترش العنب العريش اعتراشاً إذا علاه. إذا عرفت هذا فنقول: في قوله: { مَّعْرُوشَـٰتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَـٰتٍ } أقوال: الأول: أن المعروشات وغير المعروشات كلاهما الكرم، فإن بعض الأعناب يعرش وبعضها لا يعرش، بل يبقى على وجه الأرض منبسطاً.

السابقالتالي
2 3 4