الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

اعلم أنه تعالى لما بين عظيم نعمه في الصراط المستقيم وبين أنه تعالى معد مهيىء لمن يكون من المذكورين بين الفائدة الشريفة التي تحصل من التمسك بذلك الصراط المستقيم، فقال: { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ عِندَ رَبّهِمْ } وفي هذه الآية تشريفات. النوع الأول: قوله: { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ } وهذا يوجب الحصر، فمعناه: لهم دار السلام لا لغيرهم، وفي قوله: { دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ } قولان: القول الأول: أن السلام من أسماء الله تعالى، فدار السلام هي الدار المضافة إلى الله تعالى، كما قيل للكعبة ـ بيت الله تعالى ـ وللخليفة ـ عبد الله ـ. والقول الثاني: أن السلام صفة الدار، ثم فيه وجهان: الأول: المعنى دار السلامة، والعرب تلحق هذه الهاء في كثير من المصادر وتحذفها يقولون ضلال وضلالة، وسفاه وسفاهة، ولذاذ ولذاذة، ورضاع ورضاعة. الثاني: أن السلام جمع السلامة، وإنما سميت الجنة بهذا الاسم لأن أنواع السلامة حاصلة فيها بأسرها. إذا عرفت هذين القولين: فالقائلون بالقول الأول قالوا به لأنه أولى، لأن إضافة الدار إلى الله تعالى نهاية في تشريفها وتعظيمها وإكبار قدرها، فكان ذكر هذه الإضافة مبالغة في تعظيم الأمر والقائلون بالقول الثاني رجحوا قولهم من وجهين: الأول: أن وصف الدار بكونها دار السلامة أدخل في الترغيب من إضافة الدار إلى الله تعالى، والثاني: أن وصف الله تعالى بأنه السلام في الأصل مجاز، وإنما وصف بذلك لأنه تعالى ذو السلام، فإذا أمكن حمل الكلام على حقيقته كان أولى. النوع الثاني: من الفوائد المذكورة في هذه الآية قوله: { عِندَ رَبّهِمْ } وفي تفسيره وجوه: الوجه الأول: المراد أنه معد عنده تعالى كما تكون الحقوق معدة مهيأة حاضرة، ونظيره قوله تعالى:جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ } [البينة: 8] وذلك نهاية في بيان وصولهم إليها، وكونهم على ثقة من ذلك. الوجه الثاني: وهو الأقرب إلى التحقيق أن قوله: { عِندَ رَبّهِمْ } يشعر بأن ذلك الأمر المدخر موصوف بالقرب من الله تعالى، وهذا القرب لا يكون بالمكان والجهة، فوجب كونه بالشرف والعلو والرتبة، وذلك يدل على أن ذلك الشيء بلغ في الكمال والرفعة إلى حيث لا يعرف كنهه إلا الله تعالى، ونظيره قوله تعالى:فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [السجدة: 17]. الوجه الثالث: أنه قال في صفة الملائكة:وَمَنْ عِنْدَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [الأنبياء: 19] وقال في صفة المؤمنين في الدنيا ـ أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي ـ وقال أيضاً ـ أنا عند ظن عبدي بي ـ وقال في صفتهم يوم القيامة:فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } [القمر: 55] وقال في دارهم: { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ عِندَ رَبّهِمْ } وقال في ثوابهم:جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبّهِمْ }

السابقالتالي
2