الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: قرأ نافع وحفص عن عاصم { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } بالفتح في الحرفين، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو بالضم في الحرفين، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم { فَصَّلَ } بالفتح { وَحَرَّمَ } بالضم، فمن قرأ بالفتح في الحرفين فقد احتج بوجهين: الأول: أنه تمسك في فتح قوله: { فَصَّلَ } بقوله:قَدْ فَصَّلْنَا ٱلأَيَـٰتِ } [الأنعام: 97،98، 126] وفي فتح قوله: { حَرَّمَ } بقوله:أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ } [الأنعام: 151]. والوجه الثاني: التمسك بقوله: { مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } فيجب أن يكون الفعل مسنداً إلى الفاعل لتقدم ذكر اسم الله تعالى، وأما الذين قرؤا بالضم في الحرفين فحجتهم قوله:حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ } [المائدة: 3] وقوله: { حُرّمَـٰت } تفصيل لما أجمل في هذه الآية، فلما وجب في التفصيل أن يقال: { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ } بفعل ما لم يسم فاعله وجب في الإجمال كذلك وهو قوله: { مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } ولما ثبت وجوب { حَرَّمَ } بضم الحاء فكذلك يجب { فَصَّلَ } بضم الفاء لأن هذا المفصل هو ذلك المحرم المجمل بعينه. وأيضاً فإنه تعالى قال:وَهُوَ ٱلَّذِى أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مُفَصَّلاً } [الأنعام: 114] وقوله: { مُفَصَّلاً } يدل على فصل. وأما من قرأ { فَصَّلَ } بالفتح وحرم بالضم فحجته في قوله: { فَصَّلَ } قوله: { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلأَيَـٰتِ } وفي قوله: { حَرَّمَ } قوله: { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ }. المسألة الثانية: قوله: { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ } أكثر المفسرين قالوا: المراد منه قوله تعالى في أول سورة المائدة: { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ } وفيه إشكال: وهو أن سورة الأنعام مكية وسورة المائدة مدنية، وهي آخر ما أنزل الله بالمدينة. وقوله: { وَقَدْ فَصَّلَ } يقتضي أن يكون ذلك المفصل مقدماً على هذا المجمل، والمدني متأخر عن المكي، والمتأخر يمتنع كونه متقدماً. بل الأولى أن يقال المراد قوله بعد هذه الآية:قُل لا أَجِدُ فِيمَا أُوحِىَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ يطعمه } [الأنعام: 145]. وهذه الآية وإن كانت مذكورة بعد هذه الآية بقليل إلا أن هذا القدر من التأخير لا يمنع أن يكون هو المراد والله أعلم. وقوله: { إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ } أي دعتكم الضرورة إلى أكله بسبب شدة المجاعة. ثم قال: { وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم } وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ ابن كثير وأبو عمرو { لَّيُضِلُّونَ } بفتح الياء وكذلك في يونسرَبَّنَا لِيُضِلُّواْ } [يونس: 88] وفي إبراهيملِيُضِلُّواْ } [إبراهيم: 30] وفي الحجثَانِىَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ } [الحج: 9] وفي لقمانلَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ } [لقمان: 6] وفي الزمرأَندَاداً لّيُضِلَّ } [الزمر: 8] وقرأ عاصم وحمزة والكسائي جميع ذلك بضم الياء.

السابقالتالي
2