الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

اعلم أن هذا الكلام أيضاً متعلق بقولهم للرسول عليه السلام: إنما جمعت هذا القرآن من مدارسة الناس ومذاكرتهم، فإنه لا يبعد أن بعض المسلمين إذا سمعوا ذلك الكلام من الكفار غضبوا وشتموا آلهتهم على سبيل المعارضة، فنهى الله تعالى عن هذا العمل، لأنك متى شتمت آلهتهم غضبوا فربما ذكروا الله تعالى بما لا ينبغي من القول، فلأجل الاحتراز عن هذا المحذور وجب الاحتراز عن ذلك المقال، وبالجملة فهو تنبيه على أن خصمك إذا شافهك بجهل وسفاهة لم يجز لك أن تقدم على مشافهته بما يجري مجرى كلامه فإن ذلك يوجب فتح باب المشاتمة والسفاهة وذلك لا يليق بالعقلاء، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: ذكروا في سبب نزول الآية وجوهاً: الأول: قال ابن عباس: لما نزلإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] قال المشركون: لئن لم تنته عن سب آلهتنا وشتمها لنهجون إلهك فنزلت هذه الآية، أقول: لي ههنا إشكالان: الأول: أن الناس اتفقوا على أن هذه السورة نزلت دفعة واحدة فكيف يمكن أن يقال: إن سبب نزول هذه الآية كذا وكذا. الثاني: أن الكفار كانوا مقرين بالإله تعالى وكانوا يقولون: إنما حسنت عبادة الأصنام لتصير شفعاء لهم عند الله تعالى، وإذا كان كذلك، فكيف يعقل إقدامهم على شتم الله تعالى وسبه. والقول الثاني: في سبب نزول هذه الآية. قال السدي: لما قربت وفاة أبي طالب قالت قريش: ندخل عليه ونطلب منه أن ينهى ابن أخيه عنا فإنا نستحي أن نقتله بعد موته فتقول العرب: كان يمنعه فلما مات قتلوه. فانطلق أبو سفيان وأبو جهل والنضر بن الحرث مع جماعة إليه وقالوا له: أنت كبيرنا وخاطبوه بما أرادوا. فدعا محمداً عليه الصلاة والسلام وقال: هؤلاء قومك وبنو عمك يطلبون منك أن تتركهم على دينهم، وأن يتركوك على دينك فقال عليه الصلاة والسلام: " قولوا لا إله إلا الله " فأبوا فقال أبو طالب: قل غير هذه الكلمة فإن قومك يكرهونها. فقال عليه الصلاة والسلام: " ما أنا بالذي أقول غيرها حتى تأتوني بالشمس فتضعوها في يدي " فقالوا له اترك شتم آلهتنا وإلا شتمناك، ومن يأمرك بذلك فذلك قوله تعالى: { فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ }. واعلم أنا قد دللنا على أن القوم كانوا مقرين بوجود الإله تعالى فاستحال إقدامهم على شتم الإله بل ههنا احتمالات: أحدها: أنه ربما كان بعضهم قائلاً بالدهر ونفي الصانع فما كان يبالي بهذا النوع من السفاهة. وثانيها: أن الصحابة متى شتموا الأصنام فهم كانوا يشتمون الرسول عليه الصلاة والسلام فالله تعالى أجرى شتم الرسول مجرى شتم الله تعالى كما في قوله:

السابقالتالي
2 3