الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

اعلم أنه تعالى لما تمم الكلام في الإلهيات إلى هذا الموضع شرع من هذا الموضع في إثبات النبوات فبدأ تعالى بحكاية شبهات المنكرين لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم. فالشبهة الأولى: قولهم يا محمد إن هذا القرآن الذي جئتنا به كلام تستفيده من مدارسة العلماء ومباحثة الفضلاء، وتنظمه من عند نفسك، ثم تقرأه علينا، وتزعم أنه وحي نزل عليك من الله تعالى، ثم أنه تعالى أجاب عنه بالوجوه الكثيرة، فهذا تقرير النظم، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن المراد من قوله: { وَكَذٰلِكَ نُصَرّفُ ٱلأَيَـٰتِ } يعني أنه تعالى يأتي بها متواترة حالاً بعد حال، ثم قال: { وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ } وفيه مباحث: البحث الأول: حكى الواحدي: في قوله درس الكتاب قولين: الأول: قال الأصمعي أصله من قولهم: درس الطعام إذا داسه، يدرسه دراساً والدراس الدياس بلغة أهل الشام قال: ودرس الكلام من هذا أي يدرسه فيخف على لسانه. والثاني: قال أبو الهيثم درست الكتاب أي ذللته بكثرة القراءة حتى خف حفظه، من قولهم درست الثوب أدرسه درساً فهو مدروس ودريس، أي أخلقته، ومنه قيل للثوب الخلق دريس لأنه قد لان، والدراسة الرياضة، ومنه درست السورة حتى حفظتها، ثم قال الواحدي: وهذا القول قريب مما قاله الأصمعي بل هو نفسه لأن المعنى يعود فيه إلى الدليل والتليين. البحث الثاني: قرأ ابن كثير وأبو عمرو دارست بالألف ونصب التاء، وهو قراءة ابن عباس ومجاهد وتفسيرها قرأت على اليهود وقرؤا عليك، وجرت بينك وبينهم مدارسة ومذاكرة، ويقوي هذه القراءة قوله تعالى:وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عليه قوم آخرون } [الفرقان: 4] وقرأ ابن عامر { دَرَسْتَ } أي هذه الأخبار التي تلوتها علينا قديمة قد درست وانمحت، ومضت من الدرس الذي هو تعفي الأثر وإمحاء الرسم، قال الأزهري من قرأ { دَرَسْتَ } فمعناه تقادمت أي هذا الذي تتلوه علينا قد تقادم وتطاول وهو من قولهم درس الأثر يدرس دروساً. واعلم أن صاحب «الكشاف» روى ههنا قراآت أخرى: فإحداها: { دَرَسْتَ } بضم الراء مبالغة في { دَرَسْتَ } أي اشتد دروسها. وثانيها: { دَرَسْتَ } على البناء للمفعول بمعنى قدمت وعفت. وثالثها: { دارست } وفسروها بدارست اليهود محمداً. ورابعها: { درس } أي درس محمد. وخامسها: { دارسات } على معنى هي دارسات أي قديمات أو ذات درس كعيشة راضية. البحث الثالث: «الواو» في قوله: { وَلِيَقُولُواْ } عطف على مضمر والتقدير وكذلك نصرف الآيات لنلزمهم الحجة وليقولوا فحذف المعطوف عليه لوضوح معناه. البحث الرابع: اعلم أنه تعالى قال: { وَكَذٰلِكَ نُصَرّفُ ٱلأَيَـٰتِ } ثم ذكر الوجه الذي لأجله صرف هذه الآيات وهو أمران: أحدهما قوله تعالى: { وَلِيَقُولُواْ } والثاني قوله: { دَرَسْتَ وَلِنُبَيّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } أما هذا الوجه الثاني فلا إشكال فيه لأنه تعالى بين أن الحكمة في هذا التصريف أن يظهر منه البيان والفهم والعلم.

السابقالتالي
2 3