الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلاَمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

ثم قال: { هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْمَلِكُ } وكل ذلك قد تقدم تفسيره. ثم قال: { ٱلْقُدُّوسُ } قرىء: بالضم والفتح، وهو البليغ في النزاهة في الذات والصفات، والأفعال والأحكام والأسماء، وقد شرحناه في أول سورة الحديد، ومضى شيء منه في تفسير قوله:وَنُقَدّسُ لَكَ } [البقرة: 30] وقال الحسن: إنه الذي كثرت بركاته. وقوله: { ٱلسَّلَـٰمُ } فيه وجهان الأول: أنه بمعنى السلامة ومنه دار السلام، وسلام عليكم وصف به مبالغة في كونه سليماً من النقائص كما يقال: رجاء، وغياث، وعدل فإن قيل فعلى هذا التفسير لايبقى بين القدوس، وبين السلام فرق، والتكرار خلاف الأصل، قلنا: كونه قدوساً، إشارة إلى براءته عن جميع العيوب في الماضي والحاضر، كونه: سليماً، إشارة إلى أنه لا يطرأ عليه شيء من العيوب في الزمان المستقبل فإن الذي يطرأ عليه شيء من العيوب، فإنه تزول سلامته ولا يبقى سليماً الثاني: أنه سلام بمعنى كونه موجباً للسلامة. وقوله: { ٱلْمُؤْمِنُ } فيه وجهان الأول: أنه الذي آمن أولياءه عذابه، يقال: آمنه يؤمنه فهو مؤمن والثاني: أنه المصدق، إما على معنى أنه يصدق أنبياءه بإظهار المعجزة لهم، أو لأجل أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون لسائر الأنبياء، كما قال:لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى ٱلنَّاسِ } [البقرة: 143] ثم إن الله يصدقهم في تلك الشهادة، وقرىء بفتح الميم، يعني المؤمن به على حذف الجار كما حذف في قوله:وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ } [الأعراف: 155]. وقوله: { ٱلْمُهَيْمِنُ } قالوا: معناه الشاهد الذي لا يغيب عنه شيء. ثم في أصله قولان، قال الخليل وأبو عبيدة: هيمن يهيمن فهو مهيمن إذا كان رقيب على الشيء، وقال آخرون: مهيمن أصله مؤيمن، من آمن يؤمن، فيكون بمعنى المؤمن، وقد تقدم استقصاؤه عند قوله:وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } [المائدة: 48] وقال ابن الأنباري: المهيمن القائم على خلقه برزقه وأنشد:
ألا إن خير الناس بعد نبيه   مهيمنه التاليه في العرف والنكر
قال معناه: القائم على الناس بعده. وما { ٱلْعَزِيزُ } فهو إما الذي لا يوجد له نظير، وإما الغالب القاهر. وأما { ٱلْجَبَّارُ } ففيه وجوه أحدها: أنه فعال من جبر إذا أغنى الفقير، وأصلح الكسير. قال الأزهري: وهو لعمري جابر كل كسير وفقير، وهو جابر دينه الذي ارتضاه، قال العجاج:
قد جبر الدين الإله فجبر    
والثاني: أن يكون الجبار من جبره على كذا إذا أكرهه على ما أراده، قال السدي: إنه الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما أراده، قال الأزهري: هي لغة تميم، وكثير من الحجازيين يقولونها، وكان الشافعي يقول: جبره السلطان على كذا بغير ألف. وجعل الفراء الجبار بهذا معنى من أجبره، وهي اللغة المعروفة في الإكراه، فقال: لم أسمع فعالاً من أفعل إلا في حرفين، وهما جبار من أجبر، ودراك من أدرك، وعلى هذا القول الجبار هو القهار الثالث: قال ابن الأنباري: الجبار في صفة الله الذي لا ينال، ومنه قيل للنخلة التي فاتت يد المتناول: جبارة الرابع: قال ابن عباس: الجبار، هو الملك العظيم، قال الواحدي: هذا الذي ذكرناه من معاني الجبار في صفة الله، وللجبار معان في صفة الخلق أحدها: المسلط كقوله:

السابقالتالي
2