الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

ثم إنه تعالى أكد بيان كونه عالماً بكل المعلومات فقال: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ }. قال ابن عباس: { أَلَمْ تَرَ } أي ألم تعلم وأقول هذا حق لأن كونه تعالى عالماً بالأشياء لا يرى، ولكنه معلوم بواسطة الدلائل، وإنما أطلق لفظ الرؤية على هذا العلم، لأن الدليل على كونه عالماً، هو أن أفعاله محكمة متقنة منتسقة منتظمة، وكل من كانت أفعاله كذلك فهو عالم. أما المقدمة الأولى: فمحسوسة مشاهدة في عجائب السموات والأرض، وتركيبات النبات والحيوان. أما المقدمة الثانية: فبديهية، ولما كان الدليل الدال على كونه تعالى كذلك ظاهراً لا جرم بلغ هذا العلم والاستدلال إلى أعلى درجات الظهور والجلاء، صار جارياً مجرى المحسوس المشاهد، فلذلك أطلق لفظ الرؤية فقال: { أَلَمْ تَرَ } وأما أنه تعالى عالم بجميع المعلومات، فلأن علمه علم قديم، فلو تعلق بالبعض دون البعض من أن جميع المعلومات مشتركة في صحة المعلومية لافتقر ذلك العلم في ذلك التخصيص إلى مخصص، وهو على الله تعالى محال، فلا جرم وجب كونه تعالى عالماً بجميع المعلومات، واعلم أنه سبحانه قال: { يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } ولم يقل: يعلم ما في الأرض وما في السموات وفي رعاية هذا الترتيب سر عجيب. ثم إنه تعالى خص ما يكون من العباد من النجوى فقال: { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ }. وفيه مسائل: المسألة الأولى: قال ابن جني: قرأ أبو حيوة { مَا تَكُون مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ } بالتاء ثم قال والتذكير الذي عليه العامة هو الوجه، لما هناك من الشياع وعموم الجنسية، كقولك: ما جاءني من امرأة، وما حضرني من جارية، ولأنه وقع الفاصل بين الفاعل والمفعول، وهو كلمة من، ولأن النجوى تأنيثه ليس تأنيثاً حقيقياً، وأما التأنيث فلأن تقدير الآية: ما تكون نجوى، كما يقال: ما قامت امرأة وما حضرت جارية. المسألة الثانية: قوله: { مَّا يَكُونُ } من كان التامة، أي ما يوجد ولا يحصل من نجوى ثلاثة. المسألة الثالثة: النجوى التناجي وهو مصدر، ومنه قوله تعالى:لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ } [النساء: 114] وقال الزجاج: النجوى مشتق من النجوة، وهي ما ارتفع ونجا، فالكلام المذكور سراً لما خلا عن استماع الغير صار كالأرض المرتفعة، فإنها لارتفاعها خلت عن اتصال الغير، ويجوز أيضاً أن تجعل النجوى وصفاً، فيقال: قوم نجوى، وقوله تعالى:وَإِذْ هُمْ نَجْوَىٰ } [الإسراء: 47] والمعنى، هم ذوو نجوى، فحذف المضاف، وكذلك كل مصدر وصف به. المسألة الرابعة: جر ثلاثة في قوله: { مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ } يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون مجروراً بالإضافة والثاني: أن يكون النجوى بمعنى المتناجين، ويكون التقدير: ما يكون من متناجين ثلاثة فيكون صفة.

السابقالتالي
2