الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ }

وفيه مسائل: الأولى: المشهور أن قوله: { إِنَّا كُلَّ شَىْء } متعلق بما قبله كأنه قال: ذوقوا فإنا كل شيء خلقناه بقدر، أي هو جزاء لمن أنكر ذلك، وهو كقوله تعالى:ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [الدخان: 49] والظاهر أنه ابتداء كلام وتم الكلام عند قوله:ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } [القمر: 48] ثم ذكر بيان العذاب لأن عطف:وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وٰحِدَةٌ } [القمر: 50] يدل على أن قوله: { إِنَّا كُلَّ شَىْء خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ } ليس آخر الكلام. ويدل عليه قوله تعالى:أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ } [الأعراف: 54] وقد ذكر في الآية الأولى الخلق بقوله: { إِنَّا كُلَّ شَىْء خَلَقْنَـٰهُ } فيكون من اللائق أن يذكر الأمر فقال: { وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وٰحِدَةٌ } وأما ما ذكر من الجدل فنقول النبي صلى الله عليه وسلم تمسك عليهم بقوله:إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى ضَلَـٰلٍ } [القمر: 47] إلى قوله:ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } [القمر: 48] وتلا آية أخرى على قصد التلاوة، ولم يقرأ الآية الأخيرة اكتفاء بعلم من علم الآية كما تقول في الاستدلالات:لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ } [النساء: 29] الآية:وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } [الأنعام: 121] الآية:وَإِذَا تَدَايَنتُم } [البقرة: 283] الآية إلى غير ذلك. المسألة الثانية: { كُلٌّ } قرىء بالنصب وهو الأصح المشهور، وبالرفع فمن قرأ بالنصب فنصبه بفعل مضمر يفسره الظاهر كقوله:وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَـٰهُ } [يس: 39] وقوله:وَٱلظَّـٰلِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ } [الإنسان: 31] وذلك الفعل هو خلقناه وقد فسره قوله: { خَلَقْنَـٰهُ } كأنه قال: إنا خلقنا كل شيء بقدر، وخلقناه على هذا لا يكون صفة لشيء كما في قوله تعالى:وَمِن كُلّ شَىْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ } [الذاريات: 49] غير أن هناك يمنع من أن يكون صفة كونه خالياً عن ضمير عائد إلى الموصوف، وههنا لم يوجد ذلك المانع، وعلى هذا فالآية حجة على المعتزلة لأن أفعالنا شيء فتكون داخلة في كل شيء فتكون مخلوقة لله تعالى، ومن قرأ بالرفع لم يمكنه أن يقول كما يقول في قوله:وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَـٰهُمْ } [فصلت: 17] حيث قرىء بالرفع لأن كل شيء نكرة فلا يصح مبتدأ فيلزمه أن يقول: كل شيء خلقناه فهو بقدر، كقوله تعالى:وَكُلُّ شَىْء عِندَهُ بِمِقْدَارٍ } [الرعد: 8] في المعنى، وهذان الوجهان ذكرهما ابن عطية في تفسيره وذكر أن المعتزلي يتمسك بقراءة الرفع ويحتمل أن يقال: القراءة الأولى وهو النصب له وجه آخر، وهو أن يقال: نصبه بفعل معلوم لا بمضمر مفسر وهو قدرنا أو خلقنا، كأنه قال: إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر، أو قدرنا كل شيء خلقناه بقدر، وإنما قلنا: إنه معلوم لأن قوله:ذَلِكُـمُ ٱللَّهُ رَبُّـكُمْ خَـٰلِقُ كُـلّ شَىْء } [غافر: 62] دل عليه، وقوله: { وَكُلَّ شىْء بِمِقْدَارٍ } دل على أنه قدر وحينئذ لا يكون في الآية دلالة على بطلان قول المعتزلي وإنما يدل على بطلان قوله:

السابقالتالي
2