الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } * { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ }

وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم لما رآه وهو على بسيط الأرض كان يحتمل أن يقال إنه من الجن احتمالاً في غاية البعد، لما بينا أنه صلى الله عليه وسلم حصل له العلم الضروري بأنه ملك مرسل، واحتمال البعيد لا يقدح في الجزم واليقين، ألا ترى أنا إذا نمنا بالليل وانتبهنا بالنهار نجزم بأن البحار وقت نومنا ما نشفت ولا غارت، والجبال ما عدمت ولا سارت، مع احتمال ذلك فإن الله قادر على ذلك وقت نومنا، ويعيدها إلى ما كانت عليه في يومنا، فلما رآه عند سدرة المنتهى وهو فوق السماء السادسة لم يحتمل أن يكون هناك جن ولا إنس، فنفى ذلك الاحتمال أيضاً فقال تعالى: أفتمارونه على ما يرى رأي العين، وكيف وهو قد رآه في السماء فماذا تقدرون فيه وفيه مسائل: المسألة الأولى: الواو يحتمل أن تكون عاطفة، ويحتمل أن تكون للحال على ما بيناه، أي كيف تجادلونه فيما رآه، على وجه لا يشك فيه؟ ومع ذلك لا يحتمل إيراد الشكوك عليه، فإن كثيراً ما يشك المعتقد لشيء فيه ولكن تردد عليه الشكوك ولا يمكنه الجواب عنها، ولا تثريب مع ذلك في أن الأمر كما ذكرنا من المثال، لأنا لا نشك في أن البحار ما صارت ذهباً والجبال ما صارت عهناً، وإذا أورد علينا مورد شكا، وقال وقت نومك يحتمل أن الله تعالى قلبها ثم أعادها لا يمكننا الجواب عنه مع أنا لا نشك في استمرارها على ما هي عليه، لا يقال اللام تنافي كون الواو للحال، فإن المستعمل يقال أفتمارونه، وقد رأى من غير لام، لأنا نقول الواو التي للحال تدخل على جملة والجملة تتركب من مبتدأ وخبر، أو هن فعل وفاعل، وكلاهما يجوز فيه اللام. المسألة الثانية: قوله { نَزْلَةً } فعلة من النزول فهي كجلسة من الجلوس، فلا بد من نزول، فذلك النزول لمن كان؟ نقول فيه وجوه، وهي مرتبة على أن الضمير في رآه عائد إلى من وفيه قولان الأول: عائد إلى الله تعالى أي رأى الله نزلة أخرى، وهذا على قول من قال { مَا رَأَىٰ } في قولهمَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } [النجم: 11] هو الله تعالى. وقد قيل بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بقلبه مرتين، وعلى هذا فالنزلة تحتمل وجهين أحدهما: أنها لله، وعلى هذا فوجهان أحدهما: قول من يجوز على الله تعالى الحركة والانتقال وهو باطل وثانيهما: النزول بالقرب المعنوي لا الحسي فإن الله تعالى قد يقرب بالرحمة والفضل من عبده ولا يراه العبد، ولهذا قال موسى عليه السلامرَبّ أَرِنِى } [البقرة: 260] أي أزل بعض حجب العظمة والجلال، وادن من العبد بالرحمة والإفضال لأراك.

السابقالتالي
2 3