الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً } * { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً }

فيه مسائل: المسألة الأولى: ما الناصب ليوم؟ نقول المشهور أن ذلك هو الفعل الذي يدل عليه واقع أي يقع العذاب { يَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَاء مَوْراً } والذي أظنه أنه هو الفعل المدلول عليه بقولهمَّا لَهُ مِن دَافِعٍ } [الطور: 8] وإنما قلت ذلك لأن العذاب الواقع على هذا ينبغي أن يقع في ذلك اليوم، لكن العذاب الذي به التخويف هو الذي بعد الحشر، ومور السماء قبل الحشر، وأما إذا قلنا معناه { لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } يوم تمور فيكون في معنى قولهفَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [غافر: 85] كأنه تعالى يقول: ما له من دافع في ذلك اليوم وهو ما إذا صارت السماء تمور في أعينكم والجبال تسير، وتتحققون أن الأمر لا ينفع شيئاً ولا يدفع. المسألة الثانية: ما مور السماء؟ نقول خروجها عن مكانها تتردد وتموج، والذي تقوله الفلاسفة قد علمت ضعفه مراراً وقوله تعالى: { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } يدل على خلاف قولهم، وذلك لأنهم وفقوا على أن خروج الجبل العظيم من مكانه جائز وكيف لا وهم يقولون بأن زلزلة الأرض مع ما فيها من الجبال ببخار يجتمع تحت الأرض فيحركها، وإذا كان كذلك فنقول السماء قابلة للحركة بإخراجها خارجة عن السمتيات والجبل ساكن يقتضي طبعه السكون، وإذا قبل جسم الحركة مع أنها على خلاف طبعه، فلأن يقبلها جرم آخر مع أنها على موافقته أولى، وقولهم القابل للحركة المستديرة لا يقبل الحركة المستقيمة في غاية الضعف، وقوله { مَوْراً } يفيد فائدة جليلة وهي أن قوله تعالى: { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ } يحتمل أن يكون بياناً لكيفية مور السماء، وذلك لأن الجبال إذا سارت وسيرت معها سكانها يظهر أن السماء كالسيارة إلى خلاف تلك الجهة كما يشاهده راكب السفينة فإنه يرى الجبل الساكن متحركاً، فكان لقائل أن يقول السماء تمور في رأي العين بسبب سير الجبال كما يرى القمر سائراً راكب السفينة، والسماء إذا مارت كذلك فلا يبقى مهرب ولا مفزع لا في السماء ولا في الأرض. المسألة الثالثة: ما السبب في مورها وسيرها؟ قلنا قدرة الله تعالى، وأما الحكمة فالإيذان والإعلام بأن لا عود إلى الدنيا، وذلك لأن الأرض والجبال والسماء والنجوم كلها لعمارة الدنيا والانتفاع لبني آدم بها، فإن لم يتفق لهم عود لم يبق فيها نفع فأعدمها الله تعالى. المسألة الرابعة: لو قال قائل كنت وعدت ببحث في الزمان يستفيد العاقل منه فوائد في اللفظ والمعنى وهذا موضعه، فإن الفعل لا يضاف إليه شيء غير الزمان فيقال يوم يخرج فلان وحين يدخل فلان، وقال الله تعالى:يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّـٰدِقِينَ } [المائدة: 119] وقال: { وَيَوْمَ تَمُورُ ٱلسَّمَاء } وقال:

السابقالتالي
2 3