الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلذَّارِيَاتِ ذَرْواً } * { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } * { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } * { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً }

أول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها، وذلك لأنه تعالى لما بيّن الحشر بدلائله وقال:ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيراً } [قۤ: 44] وقال:وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } [قۤ: 45] أي تجبرهم وتلجئهم إلى الإيمان إشارة إلى إصرارهم على الكفر بعد إقامة البرهان وتلاوة القرآن عليهم لم يبق إلا اليمين فقال: { والذارياتِ ذَرْواً... إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَـادِقٌ } وأول هذه السورة وآخرها متناسبان حيث قال في أولها:إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَـٰدِقٌ } [الذاريات: 5] وقال في آخرها:فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ } [الذاريات: 60] وفي تفسير الآيات مسائل: المسألة الأولى: قد ذكرنا الحكمة وهي في القسم من المسائل الشريفة والمطالب العظيمة في سورة والصافات، ونعيدها ههنا وفيها وجوه. الأول: أن الكفار كانوا في بعض الأوقات يعترفون بكون النبـي صلى الله عليه وسلم غالباً في إقامة الدليل وكانوا ينسبونه إلى المجادلة وإلى أنه عارف في نفسه بفساد ما يقوله، وإنه يغلبنا بقوة الجدل لا بصدق المقال، كما أن بعض الناس إذا أقام عليه الخصم الدليل ولم يبق له حجة، يقول إنه غلبني لعلمه بطريق الجدل وعجزي عن ذلك، وهو في نفسه يعلم أن الحق بيدي فلا يبقى للمتكلم المبرهن طريق غير اليمين، فيقول والله إن الأمر كما أقول، ولا أجادلك بالباطل، وذلك لأنه لو سلك طريقاً آخر من ذكر دليل آخر، فإذا تم الدليل الآخر يقول الخصم فيه مثل ما قال في الأول إن ذلك تقرير بقوة علم الجدل فلا يبقى إلا السكوت أو التمسك بالإيمان وترك إقامة البرهان. الثاني: هو أن العرب كانت تحترز عن الأيمان الكاذبة وتعتقد أنها تدع الديار بلافع، ثم إن النبـي صلى الله عليه وسلم أكثر من الأيمان بكل شريف ولم يزده ذلك إلا رفعة وثباتاً، وكان يحصل لهم العلم بأنه لا يحلف بها كاذباً، وإلا لأصابه شؤم الإيمان ولناله المكروه في بعض الأزمان. الثالث: وهو أن الأيمان التي حلف الله تعالى بها كلها دلائل أخرجها في صورة الأيمان مثاله قول القائل لمنعمه: وحق نعمك الكثيرة إني لا أزال أشكرك فيذكر النعم وهي سبب مفيد لدوام الشكر ويسلك مسلك القسم، كذلك هذه الأشياء كلها دليل على قدرة الله تعالى على الإعادة، فإن قيل فلم أخرجها مخرج الإيمان؟ نقول لأن المتكلم إذا شرع في أول كلامه بحلف بعلم السامع أنه يريد أن يتكلم بكلام عظيم فيصغي إليه أكثر من أن يصغي إليه حيث يعلم أن الكلام ليس بمعتبر فبدأ بالحلف وأدرج الدليل في صورة اليمين حتى أقبل القوم على سماعه فخرج لهم البرهان المبين، والتبيان المتين في صورة اليمين، وقد استوفينا الكلام في سورة والصافات. المسألة الثانية: في جميع السور التي أقسم الله في ابتدائها بغير الحروف كان القسم لإثبات أحد الأصول الثلاثة وهي: الوحدانية والرسالة والحشر، وهي التي يتم بها الإيمان، ثم إنه تعالى لم يقسم لإثبات الوحدانية إلا في سورة واحدة من تلك السور وهي { وَٱلصَّـٰفَّـٰتِ } حيث قال فيها:

السابقالتالي
2 3 4