الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَاْ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ }

وقوله تعالى: { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَىَّ } يحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون قوله { لَدَىَّ } متعلقاً بالقول أي { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَىَّ } وثانيهما: أن يكون ذلك متعلقاً بقوله { مَا يُبَدَّلُ } أي لا يقع التبديل عندي، وعلى الوجه الأول في القول الذي لديه وجوه أحدها: هو أنهم لما قالوا حتى يبدل ما قيل في حقهمأَلْقِيَا } [قۤ: 24] بقول الله بعد اعتذارهم لا تلقياه فقال تعالى: ما يبدل هذا القول لدي، وكذلك قولهوَقِيلَ ٱدْخُلُواْ أَبْوٰبَ جَهَنَّمَ } [الزمر: 72] لا تبديل له ثانيها: هو قولهوَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنْى لأمْلانَّ جَهَنَّمَ } [السجدة: 13] أي لا تبديل لهذا القول ثالثها: لا خلف في إيعاد الله تعالى كما لا إخلاف في ميعاد الله، وهذا يرد على المرجئة حيث قالوا ما ورد في القرآن من الوعيد، فهو تخويف لا يحقق الله شيئاً منه، وقالوا الكريم إذا وعد أنجز ووفى، وإذا أوعد أخلف وعفا رابعها: لا يبدل القول السابق أن هذا شقي، وهذا سعيد، حين خلقت العباد، قلت هذا شقي ويعمل عمل الأشقياء، وهذا تقي ويعمل عمل الأتقياء، وذلك القول عندي لا تبديل له بسعي ساع ولا سعادة إلا بتوفيق الله تعالى، وأما على الوجه الثاني ففي { مَا يُبَدَّلُ } وجوه أيضاً أحدها: لا يكذب لدي ولا يفتري بين يدي، فإني عالم علمت من طغى ومن أطغى، ومن كان طاغياً ومن كان أطغى، فلا يفيدكم قولكم أطغاني شيطاني، ولا قول الشيطانرَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } [قۤ: 27] ثانيها: إشارة إلى معنى قوله تعالى:ٱرْجِعُواْ وَرَاءكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } [الحديد: 13] كأنه تعالى قال لو أردتم أن لا أقول فألقياه في العذاب الشديد كنتم بدلتم هذا من قبل بتبديل الكفر بالإيمان قبل أن تقفوا بين يدي، وأما الآن فما يبدل القول لدي كما قلنا في قوله تعالى:قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ } [قۤ: 28] المراد أن اختصامكم كان يجب أن يكون قبل هذا حيث قلتإِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً } [فاطر: 6] ثالثها: معناه لا يبدل الكفر بالإيمان لدي، فإن الإيمان عند اليأس غير مقبول فقولكم ربنا وإلٰهنا لا يفيدكم فمن تكلم بكلمة الكفر لا يفيده قوله ربنا ما أشركنا وقوله ربنا آمنا وقوله تعالى: { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ } إشارة إلى نفي الحال كأنه تعالى يقول ما يبدل اليوم لدي القول، لأن ما ينفي بها الحال إذا دخلت على الفعل المضارع، يقول القائل ماذا تفعل غداً؟ يقال ما أفعل شيئاً أي في الحال، وإذا قال القائل ماذا يفعل غداً، يقال لا يفعل شيئاً أو لن يفعل شيئاً إذا أُريد زيادة بيان النفي، فإن قيل هل فيه بيان معنوي يفيد افتراق ما ولا في المعنى نقول: نعم، وذلك لأن كلمة لا أدل على النفي لكونها موضوعة للنفي وما في معناه كالنهي خاصة لا يفيد الإثبات إلا بطريق الحذف أو الإضمار وبالجملة فبطريق المجاز كما في قوله

السابقالتالي
2 3 4 5