الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلْجَحِيمِ }

وفي مسائل: المسألة الأولى: ظاهر الآية يدل على أنهم إنما استحقوا ذلك الثواب بمجرد القول لأنه تعالى قال: { فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ } وذلك غير ممكن لأن مجرد القول لا يفيد الثواب. وأجابوا عنه من وجهين: الأول: أنه قد سبق من وصفهم ما يدل على إخلاصهم فيما قالوا، وهو المعرفة، وذلك هو قولهمِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقّ } [المائدة: 83] فلما حصلت المعرفة والإخلاص وكمال الانقياد ثم انضاف إليه القول لا جرم كمل الإيمان. الثاني: روى عطاء عن ابن عباس أنه قال قوله { بِمَا قَالُواْ } يريد بما سألوا، يعني قولهمفَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } [المائدة: 83]. المسألة الثانية: الآية دالة على أن المؤمن الفاسق لا يبقى مخلداً في النار، وبيانه من وجهين: الأول: أنه تعالى قال: { وَذٰلِكَ جَزَاء ٱلْمُحْسِنِينَ } وهذا الإحسان لا بدّ وأن يكون هو الذي تقدم ذكره من المعرفة وهو قولهمِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقّ } [المائدة: 83] ومن الاقرار به، وهو قوله { فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ } وإذا كان كذلك، فهذه الآية دالة على أن هذه المعرفة، وهذا الاقرار يوجب أن يحصل له هذا الثواب، وصاحب الكبيرة له هذه المعرفة وهذا الاقرار، فوجب أن يحصل له هذا الثواب، فأما أن ينقل من الجنة إلى النار وهو باطل بالإجماع، أو يقال: يعاقب على ذنبه ثم ينقل إلى الجنة وذلك هو المطلوب. الثاني: هو أنه تعالى قال: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَحِيمِ } فقوله { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَحِيمِ } يفيد الحصر، أي أولئك أصحاب الجحيم لا غيرهم، والمصاحب للشيء هو الملازم له الذي لا ينفك عنه، فهذا يقتضي تخصيص هذا الدوام بالكفار، فصارت هذه الآية من هذين الوجهين من أقوى الدلائل على أن الخلود في النار لا يحصل للمؤمن الفاسق.