الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ }

فيه مسائل: المسألة الأولى: قوله { مّن ذٰلِكَ } إشارة إلى المنقم، ولا بدّ من حذف المضاف، وتقديره: بشر من أهل ذلك لأنه قال: { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } ولا يقال الملعون شر من ذلك الدين، بل يقال: إنه شر ممن له ذلك الدين. فإن قيل: فهذا يقتضي كون الموصوفين بذلك الدين محكوماً عليهم بالشر، ومعلوم أنه ليس كذلك. قلنا: إنما خرج الكلام على حسب قولهم واعتقادهم، فإنهم حكموا بأن اعتقاد ذلك الدين شر، فقيل لهم: هب أن الأمر كذلك ولكن لعنة الله وغضبه ومسخ الصور شر من ذلك. المسألة الثانية: { مَثُوبَةً } نصب على التمييز، ووزنها مفعلة كقولك: مقولة ومجوزة، وهو بمعنى المصدر، وقد جاءت مصادر على مفعول كالمعقول والميسور. فإن قيل: المثوبة مختصة بالإحسان، فكيف جاءت في الإساءة؟ قلنا: هذا على طريقة قولهفَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } [آل عمران: 21] وقول الشاعر:تحية بينهم ضرب وجيع المسألة الثالثة: { مِنْ } في قوله { مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ } يحتمل وجهين: الأول: أنه في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، فإنه لما قال: { قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذٰلِكَ } فكأن قائلاً قال: من ذلك؟ فقيل: هو من لعنه الله، ونظيره قوله تعالى:قُلْ أَفَأُنَبّئُكُم بِشَرّ مّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ } [الحج: 72] كأنه قال: هو النار. الثاني: يجوز أن يكون في موضع خفض بدلاً من شر والمعنى أنبئكم بمن لعنه الله. المسألة الرابعة: اعلم أنه تعالى ذكر من صفاتهم أنواعاً: أولها: أنه تعالى لعنهم، وثانيها: أنه غضب عليهم، وثالثها: أنه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت. قال أهل التفسير: عنى بالقردة أصحاب السبت، وبالخنازير كفار مائدة عيسى. وروي أيضاً أن المسخين كانا في أصحاب السبت لأن شبانهم مسخوا قردة، ومشايخهم مسخوا خنازير. المسألة الخامسة: ذكر صاحب «الكشاف» في قوله { وَعَبَدَ ٱلطَّـٰغُوتَ } أنواعاً من القرآات: أحدها: قرأ أُبي: وعبدوا الطاغوت، وثانيها: قرأ ابن مسعود: ومن عبدوا، وثالثها: وعابد الطاغوت عطفاً على القردة، ورابعها: وعابدي، وخامسها: وعباد، وسادسها: وعبد، وسابعها: وعبد، بوزن حطم، وثامنها: وعبيد، وتاسعها: وعبد بضمتين جميع عبيد، وعاشرها: وعبدة بوزن كفرة، والحادي عشر: وعبد، وأصله عبدة، فحذفت التاء للإضافة، أو هو كخدم في جمع خادم، والثاني عشر: عبد، والثالث عشر: عباد، والرابع عشر: وأعبد، والخامس عشر: وعبد الطاغوت على البناء للمفعول، وحذف الراجع، بمعنى وعبد الطاغوت فيهم أو بينهم، والسادس عشر: وعبد الطاغوت، بمعنى صار الطاغوت معبوداً من دون الله تعالى، كقولك: أمر إذا صار أميراً، والسابع عشر: قرأ حمزة: عبد الطاغوت بفتح العين وضم الباء ونصب الدال وجر الطاغوت، وعابوا هذه القراءة على حمزة ولحنوه ونسبوه إلى ما لا يجوز ذكره، وقال قوم: إنها ليست بلحن ولا خطأ، وذكروا فيها وجوهاً: الأول: أن العبد هو العبد إلا أنهم ضموا الباء للمبالغة، كقولهم: رجل حذر وفطن للبليغ في الحذر والفطنة، فتأويل عبد الطاغوت أنه بلغ الغاية في طاعة الشيطان، وهذا أحسن الوجوه.

السابقالتالي
2