الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

المسألة السادسة والثلاثون: قال الشافعي رحمه الله: الواجب في مسح الرأس أقل شيء يسمى مسحاً للرأس، وقال مالك: يجب مسح الكل، وقال أبو حنيفة رحمه الله: الواجب مسح ربع الرأس. حجة الشافعي أنه لو قال: مسحت المنديل، فهذا لا يصدق إلا عند مسحه بالكلية أما لو قال: مسحت يدي بالمنديل فهذا يكفي في صدقه مسح اليدين بجزء من أجزاء ذلك المنديل. إذا ثبت هذا فنقول: قوله { وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } يكفي في العمل به مسح اليد بجزء من أجزاء الرأس، ثم ذلك الجزء غير مقدر في الآية، فإن أوجبنا تقديره بمقدار معين لم يمكن تعيين ذلك المقدار إلا بدليل مغاير لهذه الآية، فيلزم صيرورة الآية مجملة وهو خلاف الأصل، وإن قلنا: أنه يكفي فيه إيقاع المسح على أي جزء كان من أجزاء الرأس كانت الآية مبينة مفيدة، ومعلوم أن حمل الآية على محمل تبقى الآية معه مفيدة أولى من حملها على محمل تبقى الآية معه مجملة، فكان المصير إلى ما قلناه أولى. وهذا استنباط حسن من الآية. المسألة السابعة والثلاثون: لا يجوز الاكتفاء بالمسح على العمامة، وقال الأوزاعي والثوري وأحمد: يجوز. لنا أن الآية دالة على أنه يجب المسح على الرأس، ومسح العمامة ليس مسحاً للرأس واحتجبوا بما روي أنه عليه الصلاة والسلام مسح على العمامة. جوابنا: لعله مسح قدر الفرض على الرأس والبقية على العمامة. المسألة الثامنة والثلاثون: اختلف الناس في مسح الرجلين وفي غسلهما، فنقل الفقال في تفسيره عن ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي وأبي جعفر محمد بن علي الباقر: أن الواجب فيهما المسح، وهو مذهب الإمامية من الشيعة. وقال جمهور الفقهاء والمفسرين: فرضهما الغسل، وقال داود الأصفهاني: يجب الجمع بينهما وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية. وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري: المكلف مخير بين المسح والغسل. حجة من قال بوجوب المسح مبني على القراءتين المشهورتين في قوله { وَأَرْجُلَكُمْ } فقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر عنه بالجر، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه بالنصب، فنقول: أما القراءة بالجر فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرؤوس، فكما وجب المسح في الرأس فكذلك في الأرجل. فإن قيل: لم لا يجوز أن يقال: هذا كسر على الجوار كما في قوله: جحر ضب خرب، وقوله
كبير أناس في بجاد مزمل   
قلنا: هذا باطل من وجوه: الأول:أن الكسر على الجوار معدود في اللَّحن الذي قد يتحمل لأجل الضرورة في الشعر،وكلام الله يجب تنزيهه عنه.وثانيهما: أن الكسر إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله: جحر ضب خرب، فإن من المعلوم بالضرورة أن الخرب لا يكون نعتاً للضب بل للجحر، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل.

PreviousNext
   1011 12 13 14 15 16 17 18 19 20  مزيد