الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

قوله تعالى: { يأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ءامَنَّا بِأَفْوٰهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ }. أنه تعالى لما بيّن بعض التكاليف والشرائع، وكان قد علم من بعض الناس كونهم متسارعين إلى الكفر لا جرم صبر رسوله على تحمل ذلك، وأمره بأن لا يحزن لأجل ذلك، فقال: { يأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْكُفْرِ } وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى خاطب محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله: يا أيها النبي في مواضع كثيرة، وما خاطبه بقوله: يا أيها الرسول إلا في موضعين: أحدهما: ههنا، والثاني: قوله:يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ } [المائدة: 67] وهذا الخطاب لا شك أنه خطاب تشريف وتعظيم. المسألة الثانية: قرىء { لاَ يَحْزُنكَ } بضم الياء، ويسرعون، والمعنى لا تهتم ولا تبال بمسارعة المنافقين في الكفر وذلك بسبب احتيالهم في استخراج وجوه الكيد والمكر في حق المسلمين وفي مبالغتهم في موالاة المشركين فإني ناصرك عليهم وكافيك شرهم. يقال: أسرع فيه الشيب وأسرع فيه الفساد بمعنى وقع فيه سريعاً، فكذلك مسارعتهم في الكفر عبارة عن إلقائهم أنفسهم فيه على أسرع الوجوه متى وجدوا فيه فرصة، وقوله { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ءامَنَّا بِأَفْوٰهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } فيه تقديم وتأخير، والتقدير: من الذين قالوا بأفواههم آمنا ولم تؤمن قلوبهم ولا شك أن هؤلاء هم المنافقون. ثم قال تعالى: { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّـٰعُونَ لِقَوْمٍ ءاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } وفيه مسألتان: المسألة الأولى: ذكر الفرّاء والزجاج ههنا وجهين: الأول: أن الكلام إنما يتم عند قوله { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ } ثم يبتدأ الكلام منقوله { سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّـٰعُونَ لِقَوْمٍ ءاخَرِينَ } وتقدير الكلام: لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من المنافقين ومن اليهود، ثم بعد ذلك وصف الكل بكونهم سماعين لقوم آخرين. الوجه الثاني: أن الكلام تمّ عند قوله { وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } ثم ابتدأ من قوله { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } وعلى هذا التقدير فقوله { سَمَّـٰعُونَ } صفة محذوف، والتقدير: ومن الذين هادوا قوم سماعون. وقيل: خبر مبتدأ محذوف، يعني هم سماعون. المسألة الثانية: ذكر الزجاج في قوله { سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } وجهين: الأول: أن معناه قابلون للكذب، والسمع يستعمل ويراد منه القبول، كما يقال: لا تسمع من فلان أي لا تقبل منه، ومنه «سمع الله لمن حمده»، وذلك الكذب الذي يقبلونه هو ما يقوله رؤساؤهم من الأكاذيب في دين الله تعالى في تحريف التوراة، وفي الطعن في محمد صلى الله عليه وسلم. والوجه الثاني: أن المراد من قوله { سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } نفس السماع، واللام في قوله { لِلْكَذِبِ } لام كي، أي يسمعون منك لكي يكذبوا عليك.

السابقالتالي
2 3