الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }

قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ } وهذا أيضاً متصل بما تقدم من ذكر المطاعم والمآكل، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قال صاحب «الكشاف» في السؤال معنى القول، فلذلك وقع بعده { مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ } كأنه قيل: يقولون لك ماذا أحل لهم، وإنما لم يقل ماذا أحل لنا حكاية لما قالوه. واعلم أن هذا ضعيف لأنه لو كان هذا حكاية لكلامهم لكانوا قد قالوا ماذا أحل لهم، ومعلوم أن هذا باطل لأنهم لا يقولون ذلك، بل إنما يقولون ماذا أحل لنا، بل الصحيح أن هذا ليس حكاية لكلامهم بعبارتهم، بل هو بيان لكيفية الواقعة. المسألة الثانية: قال الواحدي: { مَاذَا } إن جعلته اسماً واحداً فهو رفع بالابتداء، وخبره { أَحَلَّ } وإن شئت جعلت { مَا } وحدها اسماً، ويكون خبرها { ذَا } و { أَحَلَّ } من صلة { ذَا } لأنه بمعنى: ما الذي أحل لهم. المسألة الثالثة: أن العرب في الجاهلية كانوا يحرمون أشياء من الطيبات كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام. فهم كانوا يحكمون بكونها طيبة إلا أنهم كانوا يحرمون أكلها لشبهات ضعيفة، فذكر تعالى أن كل ما يستطاب فهو حلال، وأكد هذه الآية بقولهقُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرّزْقِ } [الأعراف: 32] وبقولهوَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَـئِثَ } [الأعراف: 157]. واعلم أن الطيب في اللغة هو المستلذ، والحلال المأذون فيه يسمى أيضاً طيباً تشبيهاً بما هو مستلذ، لأنهما اجتمعا في انتفاء المضرة، فلا يمكن أن يكون المراد بالطيبات هٰهنا المحللات، وإلا لصار تقدير الآية: قل أحل لكم المحلللات، ومعلوم أن هذا ركيك، فوجب حمل الطيبات على المستلذ المشتهى، فصار التقدير: أحل لكم كل ما يستلذ ويشتهى. ثم اعلم أن العبرة في الاستلذاذ والاستطابة بأهل المروءة والأخلاق الجميلة، فإن أهل البادية يستطيبون أكل جميع الحيوانات، ويتأكد دلالة هذه الآيات بقوله تعالى:خَلَقَ لَكُم مَّا فِى ٱلاْرْضِ جَمِيعاً } [البقرة: 29] فهذا يقتضي التمكن من الانتفاع بكل ما في الأرض، إلا أنه أدخل التخصيص في ذلك العموم فقالوَيُحَرّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَـئِثَ } الأعراف 157 ونص في هذه الآيات الكثيرة على إباحة المستلذات والطيبات فصار هذا أصلاً كبيراً، وقانون مرجوعاً إليه في معرفة ما يحل ويحرم من الأطعمة، منها أن لحم الخيل مباح عند الشافعي رحمه الله. وقال أبو حنيفة رحمه الله ليس بمباح. حجة الشافعي رحمه الله أنه مستلذ مستطاب، والعلم به ضروري، وإذا كان كذلك وجب أن يكون حلالاً لقوله { أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ } ومنها أن متروك التسمية عند الشافعي رحمه الله مباح، وعند أبي حنيفة حرام، حجة الشافعي رحمه الله أنه مستطاب مستلذ، فوجب أن يحل لقوله { أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ } ويدل أيضاً على صحة قول الشافعي رحمه الله في هاتين المسألتين قوله تعالى: { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } استثنى المذكاة بما بيّن اللبة والصدر، وقد حصل ذلك في الخيل، فوجب أن تكون مذكاة، فوجب أن تحل لعموم قوله:

السابقالتالي
2 3 4