الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

في اتصال الآية بما قبلها وجهان: الأول: أنه تعالى لما أوجب في الآية المتقدمة قطع الأيد والأرجل عند أخذ المال على سبيل المحاربة، بيّـن في هذه الآية أن أخذ المال على سبيل السرقة يوجب قطع الأيدي والأرجل أيضاً، والثاني: أنه لما ذكر تعظيم أمر القتل حيث قال:مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } [المائدة: 32] ذكر بعد هذا الجنايات التي تبيح القتل والإيلام، فذكر أولاً: قطع الطريق، وثانياً: أمر السرقة، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: اختلف النحويون في الرفع في قوله { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ } على وجوه: الأول: وهو قول سيبويه والأخفش: أن قوله { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ } مرفوعان بالابتداء، والخبر محذوف والتقدير: فيما يتلى عليكم السارق والسارقة، أي حكمهما كذا، وكذا القول في قولهوالزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما } [النور: 2] وفي قولهوَٱللَّذَانَ يَأْتِيَـٰنِهَا مِنكُمْ فَـئَاذُوهُمَا } [النساء: 16] وقرأ عيسى بن عمر { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ } بالنصب، ومثله { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى } والاختيار عند سيبويه النصب في هذا. قال لأن قول القائل: زيداً فاضربه أحسن من قولك: زيد فاضربه، وأيضاً لا يجوز أن يكون { فاطعوا } خبر المبتدأ، لأن خبر المبتدأ لا يدخل عليه الفاء. والقول الثاني: وهو اختيار الفراء: أن الرفع أولى من النصب، لأن الألف واللام في قوله { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ } يقومان مقام «الذي» فصار التقدير: الذي سرق فاقطعوا يده، وعلى هذا التقدير حسن إدخال حرف الفاء على الخبر لأنه صار جزاء، وأيضاً النصب إنما يحسن إذا أردت سارقاً بعينه أو سارقة بعينها، فأما إذا أردت توجيه هذا الجزاء على كل من أتى بهذا الفعل فالرفع أولى، وهذا القول اختاره الزجاج وهو المعتمد. ومما يدل على أن المراد من الآية الشرط والجزاء وجوه: الأول: أن الله تعالى صرّح بذلك وهو قوله { جَزَاء بِمَا كَسَبَا } وهذا دليل على أن القطع شرع جزاء على فعل السرقة، فوجب أن يعم الجزاء لعموم الشرط، والثاني: أن السرقة جناية، والقطع عقوبة، وربط العقوبة بالجناية مناسب، وذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدل على أن الوصف علة لذلك الحكم، والثالث: أنا لو حملنا الآية على هذا الوجه كانت الآية مفيدة، ولو حملناها على سارق معين صارت مجملة غير مفيدة، فكان الأول أولى. وأما القول الذي ذهب إليه سيبويه فليس بشيء، ويدل عليه وجوه: الأول: أنه طعن في القرآن المنقول بالتواتر عن الرسول عليه الصلاة والسلام وعن جميع الأمة، وذلك باطل قطعاً، فإن قال لا أقول: إن القراءة بالرفع غير جائزة ولكني أقول: القراءة بالنصب أولى، فنقول: وهذا أيضاً رديء لأن ترجيح القراءة التي لم يقرأ بها عيسى بن عمر على قراءة الرسول وجميع الأمة في عهد الصحابة والتابعين أمر منكر وكلام مردود.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7