الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

وفيه مسائل: المسألة الأولى: قوله { فَإِنَّهَا } أي الأرض المقدسة محرمة عليهم، وفي قوله { أَرْبَعِينَ سَنَةً } قولان: أحدهما: أنها منصوبة بالتحريم، أي الأرض المقدسة محرمة عليهم أربعين سنة، ثم فتح الله تعالى تلك الأرض لهم من غير محاربة، هكذا ذكره الربيع بن أنس. والقول الثاني: أنها منصوبة بقوله { يَتِيهُونَ فِى ٱلأَرْضِ } أي بقوا في تلك الحالة أربعين سنة، وأما الحرمة فقد بقيت عليهم وماتوا، ثم إن أولادهم دخلوا تلك البلدة. المسألة الثانية: يحتمل أن موسى عليه السلام لما قال في دعائه على القومفَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } [المائدة: 25] لم يقصد بدعائه هذا الجنس من العذاب، بل أخف منه. فلما أخبره الله تعالى بالتيه علم أنه يحزن بسبب ذلك فعزاه وهون أمرهم عليه، فقال { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } قال مقاتل: إن موسى لما دعا عليهم أخبره الله تعالى بأحوال التيه، ثم إن موسى عليه السلام أخبر قومه بذلك، فقالوا له: لم دعوت علينا وندم موسى على ما عمل، فأوحى الله تعالى إليه { لا تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } وجائز أن يكون ذلك خطاباً لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي لا تحزن على قوم لم يزل شأنهم المعاصي ومخالفة الرسل والله أعلم. المسألة الثالثة: اختلف الناس في أن موسى وهارون عليهما السلام هل بقيا في التيه أم لا؟ فقال قوم: إنهما ما كانا في التيه، قالوا: ويدل عليه وجوه: الأول: أنه عليه السلام دعا الله يفرق بينه وبين القوم الفاسقين، ودعوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مجابة، وهذا يدل على أنه عليه السلام ما كان معهم في ذلك الموضع، والثاني: أن ذلك التيه كان عذاباً والأنبياء لا يعذبون، والثالث: أن القوم إنما عذبوا بسبب أنهم تمردوا وموسى وهارون ما كانا كذلك، فكيف يجوز أن يكونا مع أولئك الفاسقين في ذلك العذاب. وقال آخرون: إنهما كانا مع القوم في ذلك التيه إلا أنه تعالى سهل عليهما ذلك العذاب كما سهل النار على إبراهيم فجعلها برداً وسلاماً، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا في أنهما هل ماتا في التيه أو خرجا منه؟ فقال قوم: إن هارون مات في التيه ثم مات موسى بعده بسنة، وبقي يوشع بن نون وكان ابن أخت موسى ووصيه بعد موته، وهو الذي فتح الأرض المقدسة. وقيل: إنه ملك الشأم بعد ذلك. وقال آخرون: بل بقي موسى بعد ذلك وخرج من التيه وحارب الجبارين وقهرهم وأخذ الأرض المقدسة والله أعلم. المسألة الرابعة: قوله { فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ } الأكثرون على أنه تحريم منع لا تحريم تعبد، وقيل: يجوز أيضاً أن يكون تحريم تعبد، فأمرهم بأن يمكثوا في تلك المفازة في الشدة والبلية عقاباً لهم على سوء صنيعهم.

السابقالتالي
2