الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

ثم قال تعالى: { فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ لَعنَّـٰهُمْ } وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في نقضهم الميثاق وجوه: الأول: بتكذيب الرسل وقتل الأنبياء. الثاني: بكتمانهم صفة محمد صلى الله عليه وسلم. الثالث: مجموع هذه الأمور. المسألة الثانية: في تفسير «اللعن» وجوه: الأول: قال عطاء: لعناهم أي أخر جناهم من رحمتنا. الثاني: قال الحسن ومقاتل: مسخناهم حتى صاروا قردة وخنازير. قال ابن عباس ضربنا الجزية عليهم. ثم قال تعالى: { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوٰضِعِهِ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: قرأ حمزة والكساي قسية بتشديد الياء بغير ألف على وزن فعلية، والباقون بالألف والتخفيف، وفي قوله قسية وجهان: أحدهما: أن تكون القسية بمعنى القاسية إلا أن القسي أبلغ من القاسي، كما يقال: قادر وقدير، وعالم وعليم، وشاهد وشهيد، فكما أن القدير أبلغ من القادر فكذلك القسي أبلغ من القاسي، الثاني: أنه مأخوذ من قولهم: درهم قسي على وزن شقي، أي فاسد رديء. قال صاحب «الكشاف» وهو أيضاً من القسوة لأن الذهب والفضة الخالصين فيهما لين، والمغشوش فيه يبس وصلابة، وقرىء قسية بكسر القاف للاتباع. المسألة الثانية: قال أصحابنا { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } أي جعلناها نائبة عن قبول الحق منصرفة عن الانقياد للدلائل. وقالت المعتزلة { وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً } أي أخبرنا عنها بأنها صارت قاسية كما يقال: فلان جعل فلاناً فاسقاً وعدلاً. ثم أنه تعالى ذكر بعض ما هو من نتائج تلك القسوة فقال { يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوٰضِعِهِ } وهذا التحريف يحتمل التأويل الباطل، ويحتمل تغيير اللفظ، وقد بينا فيما تقدم أن الأول أولى لأن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى فيه تغيير اللفظ. ثم قال تعالى: { وَنَسُواْ حَظَّا مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } قال ابن عباس: تركوا نصيباً مما أمروا به في كتابهم وهو الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم. ثم قال تعالى: { وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مّنْهُمْ } وفي الخائنة وجهان: الأول: أن الخائنة بمعنى المصدر، ونظيره كثير، كالكافية والعافية، وقال تعالى:فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } [الحاقة: 5] أي بالطغيان. وقاللَّيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } [الواقعة: 2] أي كذب. وقال:لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لَـٰغِيَةً } [الغاشية: 11] أي لغواً. وتقول العرب: سمعت راغية الإبل. وثاغية الشاء يعنون رغاءها وثغاءها. وقال الزجاج: ويقال عافاه الله عافية، والثاني: أن يقال: الخائنة صفة، والمعنى: تطلع على فرقة خائنة أو نفس خائنة أو على فعلة ذات خيانة. وقيل: أراد الخائن، والهاء للمبالغة كعلامة ونسابة. قال صاحب «الكشاف» وقرىء على خيانة منهم. ثم قال تعالى: { إِلاَّ قَلِيلاً مّنْهُمُ } وهم الذين آمنوا كعبد الله بن سلام وأصحابه. وقيل: يحتمل أن يكون هذا القليل من الذين بقوا على العهد ولم يخونوا فيه.

السابقالتالي
2