الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }

قوله تعالى: { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وٰلِدَتِكَ } في الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنا بينا أن الغرض من قوله تعالى للرسلمَاذَا أَجَبْتُمُ } [المائدة: 109] توبيخ من تمرد من أممهم، وأشد الأمم افتقاراً إلى التوبيخ والملامة النصارى الذين يزعمون أنهم أتباع عيسى عليه السلام لأن طعن سائر الأمم كان مقصوراً على الأنبياء وطعن هؤلاء الملاعين تعدى إلى جلال الله وكبريائه، حيث وصفوه بما لا يليق بعاقل أن يصف الإلۤه به، وهو اتخاذ الزوجة والولد، فلا جرَم ذكر الله تعالى أنه يعدد أنواع نعمه على عيسى بحضرة الرسل واحدة فواحدة، والمقصود منه توبيخ النصارى وتقريعهم على سوء مقالتهم فإن كل واحدة من تلك النعم المعدودة على عيسى تدل على أنه عبد وليس بإله. والفائدة في هذه الحكاية تنبيه النصارى الذين كانوا في وقت نزول هذه الآية على قبح مقالتهم وركاكة مذهبهم واعتقادهم. المسألة الثانية: موضع { إِذْ } يجوز أن يكون رفعاً بالابتداء على معنى ذاك إذ قال الله، ويجوز أن يكون المعنى اذكر إذ قال الله. المسألة الثالثة: خرج قوله { إِذ قَالَ ٱللَّهُ } على لفظ الماضي دون المستقبل وفيه وجوه: الأول: الدلالة على قرب القيامة حتى كأنها قد قامت ووقعت وكل آت قريب ويقال: الجيش قد أتى، إذا قرب إتيانهم. قال الله تعالى:أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } [النحل: 1] الثاني: أنه ورد على حكاية الحال،ونظيرُه قولُ الرجل لصاحبه كأنك بنا وقد دخلنا بلدة كذا، فصنعنا فيها كذا، إذ صاح صائح فتركتني وأجبته. ونظيره من القرآن قوله تعالى:وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ فَلاَ فَوْتَ } [سبأ: 51]وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتوفى الذين كفروا الملائكة } [الأنفال: 50]وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّـٰلِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبّهِمْ } [سبأ: 31] والوجه في كل هذه الآيات ما ذكرناه، من أنه خرج على سبيل الحكاية عن الحال. المسألة الرابعة: { عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ } يجوز أن يكون { عِيسَى } في محل الرفع لأنه منادى مفرد وصف بمضاف ويجوز أن يكون في محل النصب لأنه في نية الإضافة ثم جعل الابن توكيداً وكل ما كان مثل هذا جاز فيه وجهان نحو يا زيد بن عمرو، ويا زيد بن عمرو، وأنشد النحويون:
يا حكم بن المنذر بن الجارود   
برفع الأول ونصبه على ما بيناه. المسألة الخامسة: قوله { نِعْمَتِى عَلَيْكَ } أراد الجمع كقولهوَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [النحل: 18] وإنما جاز ذلك لأن مضاف يصلح للجنس. واعلم أن الله تعالى فسّر نعمته عليه بأمور: أولها: قوله { إِذَ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } وفيه وجهان: الأول: روح القدس هو جبريل عليه السلام، الروح جبريل والقدس هو الله تعالى، كأنه أضافه إلى نفسه تعظيماً له.

السابقالتالي
2 3