الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

ثم قال تعالى: { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّا إِثْماً } قال الليث رحمه الله: عثر الرجل يعثر عثوراً إذا هجم على أمر لم يهجم عليه غيره. وأعثرت فلاناً على أمري أي أطلعته عليه، وعثر الرجل يعثر عثرة إذا وقع على شيء، قال أهل اللغة: وأصل عثر بمعنى اطلع من العثرة التي هي الوقوع وذلك لأن العاثر إنما يعثر بشيء كان لا يراه، فلما عثر به اطلع عليه ونظر ما هو، فقيل لكل من اطلع على أمر كان خفياً عليه قد عثر عليه، وأعثر غيره إذا أطلعه عليه، ومنه قوله تعالى:وَكَذٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ } [الكهف: 21] أي اطلعنا، ومعنى الآية فإن حصل العثور والوقوف على أنهما أتيا بخيانة واستحقا الإثم بسبب اليمين الكاذبة. ثم قال تعالى: { فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلاْوْلَيَانِ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: اعلم أن معنى الآية فإن عثر بعدما حلف الوصيان على أنهما استحقا إثماً أي حنثاً في اليمين بكذب في قول أو خيانة في مال قام في اليمين مقامهما رجلان من قرابة الميت فيحلفان بالله لقد ظهرنا على خيانة الذميين وكذبهما وتبديلهما وما اعتدينا في ذلك وما كذبنا. وروي أنه لما نزلت الآية الأولى صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ودعا بتميم وعدي فاستحلفهما عند المنبر بالله الذي لا إلۤه إلا هو أنه لم يوجد منّا خيانة في هذا المال ولما حلفا خلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيلهما وكتما الإناء مدة ثم ظهروا واختلفوا فقيل: وجد بمكة. وقيل: لما طالت المدة أظهرا الإناء فبلغ ذلك بني سهم فطالبوهما فقالا كنا قد اشتريناه منه فقالوا ألم نقل لكم هل باع صاحبنا شيئاً فقلتما لا؟ فقالا لم يكن عندنا بينة فكرهنا أن نعثر فكتمنا فرفعوا القصة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: { فَإِنْ عُثِرَ } الآية فقام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي رفاعة السهميان فحلفا بالله بعد العصر فدفع الرسول صلى الله عليه وسلم الإناء إليهما وإلى أولياء الميت. وكان تميم الداري يقول بعدما أسلم: صدق الله ورسوله أنا أخذت الإناء فأتوب إلى الله تعالى، وعن ابن عباس أنه بقيت تلك الواقعة مخفية إلى أن أسلم تميم الداري فلما أسلم أخبر بذلك وقال: حلفت كاذباً وأنا وصاحبي بعنا الإناء بألف وقسمنا الثمن. ثم دفع خمسمائة درهم من نفسه ونزع من صاحبه خمسمائة أخرى ودفع الألف إلى موالي الميت. المسألة الثانية: قوله { فَآخَرَانِ يِقُومَانُ مَقَامَهُمَا } أي مقام الشاهدين اللذين هما من غير ملتهما وقوله { مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلاْوْلَيَانِ } المراد به موالي الميت، وقد أكثر الناس في أنه لم وصف موالي الميت بهذا الوصف، والأصح عندي فيه وجه واحد، وهو أنهم إنما وصفوا بذلك لأنه لما أخذ مالهم فقد استحق عليهم مالهم فإن من أخذ مال غيره فقد حاول أن يكون تعلقه بذلك المال مستعلياً على تعلق مالكه به فصح أن يوصف المالك بأنه قد استحق عليه ذلك المال.

السابقالتالي
2