الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ }

قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية }. اعلم أنه تعالى: لما أمر بحفظ النفس في قولهعليكم أنفسكم } [المائدة: 105] أمر بحفظ المال في قوله { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم } وفيه مسألتان: المسألة الأولى: اتفقوا على أن سبب نزول هذه الآية أن تميماً الداري وأخاه عدياً كانا نصرانيين خرجا إلى الشام ومعهما بديل مولى عمرو بن العاص وكان مسلماً مهاجراً، خرجوا للتجارة فلما قدموا الشام مرض بديل فكتب كتاباً فيه نسخة جميع ما معه وألقاه فيما بين الأقمشة ولم يخبر صاحبه بذلك، ثم أوصى إليهما وأمرهما أن يدفعا متاعه إذا رجعا إلى أهله، ومات بديل فأخذا من متاعه إناء من فضة منقوشاً بالذهب ثلثمائة مثقال، ودفعا باقي المتاع إلى أهله لما قدما، ففتشوا فوجدوا الصحيفة، وفيها ذكر الإناء، فقالوا لتميم وعدي: أين الإناء؟ فقالا لا ندري، والذي رفع إلينا دفعناه إليكم، فرفعوا الواقعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية. المسألة الثانية: قوله { شهادة بينكم } يعني شهادة ما بينكم وما بينكم كناية عن التنازع والتشاجر، وإنما أضاف الشهادة إلى التنازع لأن الشهود إنما يحتاج إليهم عند وقوع التنازع، وحذف ما من قوله { شهادة بينكم } جائز لظهوره، ونظيره قولههذا فراق بيني وبينك } [الكهف: 78] أي ما بيني وبينك، وقولهلقد تقطع بينكم } [الأنعام: 94] وفي قراءة نصب، وقوله { إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية } يعني الشهادة المحتاج إليها عند حضور الموت، وحين الوصية بدل من قوله { إذا حضر أحدكم } لأن زمان حضور الموت هو زمان حضور الوصية، فعرف ذلك الزمان بهذين الأمرين الواقعين فيه، كما يقال: ائتني إذا زالت الشمس حين صلاة الظهر، والمراد بحضور الموت مشارفته وظهور أمارات وقوعه، كقولهكتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية } [البقرة: 180] قالوا وقوله { إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية } دليل على وجوب الوصية، لأنه تعالى جعل زمان حضور الموت غير زمان الوصية، وهذا إنما يكون إذا كانا متلازمين، وإنما تحصل هذه الملازمة عند وجوب الوصية. ثم قال تعالى: { اثنان ذوا عدل منكم } وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في الآية حذف، والمراد أن يشهد ذوا عدل منكم، وتقدير الآية: شهادة ما بينكم عند الموت الموصوف، هي أن يشهد اثنان ذوا عدل منكم، وإنما حسن هذا الحذف لكونه معلوماً. المسألة الثانية: اختلف المفسرون في قوله { منكم } على قولين: الأول: وهو قول عامة المفسرين أن المراد: اثنان ذوا عدل منكم يا معشر المؤمنين، أي من أهل دينكم وملتكم، وقوله { أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض } يعني أو شهادة آخرين من غير أهل دينكم وملتكم إذا كنتم في السفر، فالعدلان المسلمان صالحان للشهادة في الحضر والسفر، وهذا قول ابن عباس، وأبي موسى الأشعري، وسعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، وشريح ومجاهد وابن سيرين وابن جريج.

السابقالتالي
2 3 4