الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

قوله تعالى: { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } في الآية مسائل: المسألة الأولى: في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوه: الأول: أنه تعالى لما قال:مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ } [المائدة: 99] صار التقدير كأنه قال، ما بلغه الرسول إليكم فخذوه، وكونوا منقادين له، وما لم يبلغه الرسول إليك فلا تسألوا عنه، ولا تخوضوا فيه، فإنكم إن خضتم فيما لا تكليف فيه عليكم فربما جاءكم بسبب ذلك الخوض الفاسد من التكاليف ما يثقل عليكم ويشق عليكم. الثاني: أنه تعالى لما قال: { مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ } وهذا ادعاء منه للرسالة، ثم إن الكفار كانوا يطالبونه بعد ظهور المعجزات،بمعجزات أخر على سبيل التعنت كما قال تعالى حاكياً عنهموَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلاْرْضِ يَنْبُوعًا } [الإسرار: 90] إلى قولهقُلْ سُبْحَـٰنَ رَبّى هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً } [الإسرار: 93] والمعنى إني رسول أمرت بتبليغ الرسالة والشرائع والأحكام إليكم، والله تعالى قد أقام الدلالة على صحة دعواي في الرسالة بإظهار أنواع كثيرة من المعجزات، فبعد ذلك طلب الزيادة من باب التحكم وذلك ليس في وسعي ولعل إظهارها يوجب ما يسوءكم مثل أنها لو ظهرت فكل من خالف بعد ذلك استوجب العقاب في الدنيا، ثم إن المسلمين لما سمعوا الكفار يطالبون الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه المعجزات، وقع في قلوبهم ميل إلى ظهورها فعرفوا في هذه الآية أنهم لا ينبغي أن يطلبوا ذلك فربما كان ظهورها يوجب ما يسوءهم. الوجه الثالث: أن هذا متصل بقوله:وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } [المائدة: 99] فاتركوا الأمور على ظواهرها ولا تسألوا عن أحوال مخفية إن تبد لكم تسؤكم. المسألة الثانية: أشياء جمع شيء وأنها غير متصرفة وللنحويين في سبب امتناع الصرف وجوه الأول: قال الخليل وسيبويه: قولنا شيء جمعه في الأصل شيآء على وزن فعلاء فاستثقلوا اجتماع الهمزتين في آخره، فنقلوا الهمزة الأولى التي هي لام الفعل إلى أول الكلمة فجاءت لفعاء، وذلك يوجب منع الصرف لثلاثة أوجه، واحد منها مذكور، وإثنان خطرا ببالي. أما الأول: وهو المذكور فهو أن الكلمة لما كانت في الأصل على وزن فعلاء، مثل حمراء، لا جرم لم تنصرف كما لم ينصرف حمراء، والثاني: أنها لما كانت في الأصل شيآء ثم جعلت أشياء كان ذلك تشبيهاً بالمعدول كما في عامر وعمر، وزافر وزفر، والعدل أحد أسباب منع الصرف. الثالث: وهو إنا لما قطعنا الحرف الأخير منه وجعلناه أوله، والكلمة من حيث إنها قطع منها الحرف الأخير صارت كنصف الكلمة، ونصف الكلمة لا يقبل الاعراب، ومن حيث إن ذلك الحرف الذي قطعناه منها ما حذفناه بالكلية، بل ألصقناه بأولها، كانت الكلمة كأنها باقية بتمامها، فلا جرم منعناه بعض وجوه الاعراب دون البعض، تنبيهاً على هذه الحالة، فهذا ما خطر بالبال في هذا المقام.

السابقالتالي
2 3 4