الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }

لما حذر الله المؤمنين من النبأ الصادر من الفاسق، أشار إلى ما يلزم منه استدراكاً لما يفوت، فقال فإن اتفق أنكم تبنون على قول من يوقع بينكم، وآل الأمر إلى اقتتال طائفتين من المؤمنين، فأزيلوا ما أثبته ذلك الفاسق وأصلحوا بينهما { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأخْرَىٰ فَقَـٰتِلُواْ ٱلَّتِى تَبْغِى } أي الظالم يجب عليكم دفعه عنه، ثم إن الظالم إن كان هو الرعية، فالواجب على الأمير دفعهم، وإن كان هو الأمير، فالواجب على المسلمين منعه بالنصيحة فما فوقها، وشرطه أن لا يثير فتنة مثل التي في اقتتال الطائفتين أو أشد منهما، وفيه مسائل: المسألة الأولى: قوله تعالى: { وإِنْ } إشارة إلى ندرة وقوع القتال بين طوائف المسلمين، فإن قيل فنحن نرى أكثر الاقتتال بين طوائفهم؟ نقول قوله تعالى: { وإِنْ } إشارة إلى أنه ينبغي أن لا يقع إلا نادراً، غاية ما في الباب أن الأمر على خلاف ما ينبغي، وكذلكإِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ } [الحجرات: 6] إشارة إلى أن مجيء الفاسق بالنبأ ينبغي أن يقع قليلاً، مع أن مجيء الفاسق بالنبأ كثير، وقول الفاسق صار عند أولي الأمر أشد قبولاً من قول الصادق الصالح. المسألة الثانية: قال تعالى: { وَإِن طَائِفَتَانِ } ولم يقل وإن فرقتان تحقيقاً للمعنى الذي ذكرناه وهو التقليل، لأن الطائفة دون الفرقة، ولهذا قال تعالى:فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلّ فِرْقَةٍ مّنْهُمْ طَائِفَةٌ } [التوبة: 122]. المسألة الثالثة: قال تعالى: { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ولم يقل منكم، مع أن الخطاب مع المؤمنين لسبق قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ } [الحجرات: 6] تنبيهاً على قبح ذلك وتبعيداً لهم عنهم، كما يقول السيد لعبده: إن رأيت أحداً من غلماني يفعل كذا فامنعه، فيصير بذلك مانعاً للمخاطب عن ذلك الفعل بالطريق الحسن، كأنه يقول: أنت حاشاك أن تفعل ذلك، فإن فعل غيرك فامنعه، كذلك ههنا قال: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ولم يقل منكم لما ذكرنا من التنبيه مع أن المعنى واحد. المسألة الرابعة: قال تعالى: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } ولم يقل: وإن اقتتل طائفتان من المؤمنين، مع أن كلمة { إن } اتصالها بالفعل أولى، وذلك ليكون الابتداء بما يمنع من القتال، فيتأكد معنى النكرة المدلول عليها بكلمة { إن } وذلك لأن كونهما طائفتين مؤمنتين يقتضي أن لا يقع القتال منهما، فإن قيل فلم لم يقل: يا أيها الذين آمنوا إن فاسق جاءكم، أو إن أحد من الفساق جاءكم، ليكون الابتداء بما يمنعهم من الإصغاء إلى كلامه، وهو كونه فاسقاً؟ نقول المجيء بالنبأ الكاذب يورث كون الإنسان فاسقاً، أو يزداد بسببه فسقه، فالمجيء به سبب الفسق فقدمه.

السابقالتالي
2 3