الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً }

إشارة إلى أن ما أتاهم من الفتح والمغانم ليس هو كل الثواب بل الجزاء قدامهم، وإنما هي لعاجلة عجل بها، وفي المغانم الموعود بها أقوال، أصحها أنه وعدهم مغانم كثيرة من غير تعيين وكل ما غنموه كان منها والله كان عالماً بها، وهذا كما يقول الملك الجواد لمن يخدمه: يكون لك مني على ما فعلته الجزاء إن شاء الله، ولا يريد شيئاً بعينه، ثم كل ما يأتي به ويؤتيه يكون داخلاً تحت ذلك الوعد، غير أن الملك لا يعلم تفاصيل ما يصل إليه وقت الوعد، والله عالم بها، وقوله تعالى: { وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ } لإتمام المنة، كأنه قال رزقتكم غنيمة باردة من غير مس حر القتال ولو تعبتم فيه لقلتم هذا جزاء تعبنا، وقوله تعالى: { وَلِتَكُونَ ءَايَةً لّلْمُؤْمِنِينَ } عطف على مفهوم لأنه لما قال الله تعالى: { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } واللام ينبىء عن النفع كما أن علي ينبىء عن الضر القائل لا علي ولا ليا بمعنى لا ما أتضرر به ولا ما أنتفع به ولا أضر به ولا أنفع، فكذلك قوله { فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ } لتنفعكم { وَلِتَكُونَ ءَايَةً لّلْمُؤْمِنِينَ } وفيه معنى لطيف وهو أن المغانم الموعود بها كل ما يأخذه المسلمون فقوله { وَلِتَكُونَ ءَايَةً لّلْمُؤْمِنِينَ } يعني لينفعكم بها وليجعلها لمن بعدكم آية تدلهم على أن ما وعدهم الله يصل إليهم كما وصل إليكم، أو نقول: معناه لتنفعكم في الظاهر وتنفعكم في الباطن حيث يزداد يقينكم إذا رأيتم صدق الرسول في إخباره عن الغيوب فتجمل أخباركم ويكمل اعتقادكم، وقوله { وَيَهْدِيَكُمْ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } وهو التوكل عليه والتفويض إليه والاعتزاز به.