الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ }

ثم قال تعالى: { وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَـٰكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَـٰهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَـٰلَكُمْ }. لما كان مفهوم قولهأَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَـٰنَهُمْ } [محمد: 29] أن الله يظهر ضمائرهم ويبرز سرائرهم كأن قائلاً قال فلم لم يظهر فقال أخرناه لمحض المشيئة لا لخوف منهم، كما لا تفشى أسرار الأكابر خوفاً منهم { وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَـٰكَهُمْ } أي لا مانع لنا والإراءة بمعنى التعريف، وقوله { فلتعرفنهم } لزيادة فائدة، وهي أن التعريف قد يطلق ولا يلزمه المعرفة، يقال عرفته ولم يعرف وفهمته ولم يفهم فقال ههنا { فَلَعَرَفْتَهُم } يعني عرفناهم تعريفاً تعرفهم به، إشارة إلى قوة التعريف، واللام في قوله { فَلَعَرَفْتَهُم } هي التي تقع في جزاء لو كما في قوله { لأَرَيْنَـٰكَهُمْ } أدخلت على المعرفة إشارة إلى أن المعرفة كالمرتبة على المشيئة كأنه قال: ولو نشاء لعرفتهم، ليفهم أن المعرفة غير متأخرة عن التعريف فتفيد تأكيد التعريف، أي لو نشاء لعرفناك تعريفاً معه المعرفة لا بعده، وأما اللام في قوله تعالى: { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ } جواب لقسم محذوف كأنه قال ولتعرفنهم والله، وقوله { فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ } فيه وجوه أحدها: في معنى القول وعلى هذا فيحتمل أن يكون المراد من القول قولهم أي لتعرفنهم في معنى قولهم حيث يقولون ما معناه النفاق كقولهم حين مجيء النصر إنا كنا معكم، وقولهملَئِن رَّجَعْنَا إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ } [المنافقون: 8] وقولهمإِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } [الأحزاب: 13] وغير ذلك، ويحتمل أن يكون المراد قول الله عزّ وجل أي لتعرفنهم في معنى قول الله تعالى حيث قال ما تعلم منه حال المنافقين كقوله تعالى:إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ } [النور: 62] وقولهإِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [الأنفال: 2] إلى غير ذلك، وثانيها: في ميل القول عن الصواب حيث قالوا ما لم يعتقدوا، فأمالوا كلامهم حيث قالوانَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ لَكَـٰذِبُونَ } [المنافقون:1] وقالواإِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ } [الأحزاب: 13]،وَلَقَدْ كَانُواْ عَـٰهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَـٰرَ } [الأحزاب: 15] إلى غير ذلك وثالثها: في لحن القول أي في الوجه الخفي من القول الذي يفهمه النبي عليه السلام ولا يفهمه غيره، وهذا يحتمل أمرين أيضاً والنبي عليه السلام كان يعرف المنافق ولم يكن يظهر أمره إلى أن أذن الله تعالى له في إظهار أمرهم ومنع من الصلاة على جنائزهم والقيام على قبورهم، وأما قوله { بِسِيمَـٰهُمْ } فالظاهر أن المراد أن الله تعالى لو شاء لجعل على وجوههم علامة أو يمسخهم كما قال تعالى:وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَـٰهُمْ } [يۤس: 67] وروي أن جماعة منهم أصبحوا وعلى جباههم مكتوب هذا منافق، وقوله تعالى: { وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَـٰلَكُمْ } وعد للمؤمنين، وبيان لكون حالهم على خلاف حال المنافق، فإن المنافق كان له قول بلا عمل، والمؤمن كان له عمل ولا يقول به، وإنما قوله التسبيح ويدل عليه قوله تعالى:

السابقالتالي
2