الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ }

يعني الكافرون والمنافقون لا ينظرون إلا الساعة، وذلك لأن البراهين قد صحت والأمور قد اتضحت وهم لم يؤمنوا فلا يتوقع منهم الإيمان إلا عند قيام الساعة وهو من قبيل بدل الاشتمال على تقدير لا ينظرون إلا الساعة إتيانها بغتة، وقرىء { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ } على الشرط وجزاؤه لا ينفعهم ذكراهم، يدل عليه قوله تعالى: { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } ، وقد ذكرنا أن القيامة سميت بالساعة لساعة الأمور الواقعة فيها من البعث والحشر والحساب. وقوله { فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا } يحتمل وجهين أحدهما: لبيان غاية عنادهم وتحقيقه هو أن الدلائل لما ظهرت ولم يؤمنوا لم يبق إلا إيمان اليأس وهو عند قيام الساعة لكن أشراطها بانت فكان ينبغي أن يؤمنوا ولم يؤمنوا فهم في لجة الفساد وغاية العناد ثانيهما: يكون لتسلية قلوب المؤمنين كأنه تعالى لما قال: { فَهَلْ يَنظُرُونَ } فهم منه تعذيبهم والساعة عند العوام مستبطأة فكأن قائلاً قال متى الساعة؟ فقد جاء أشراطها كقوله تعالى:ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } [القمر: 1] والأشراط العلامات، قال المفسرون هي مثل انشقاق القمر ورسالة محمد عليه السلام، ويحتمل أن يقال معنى الأشراط البينات الموضحة لجواز الحشر، مثل خلق الإنسان ابتداء وخلق السمٰوات والأرض، كما قال تعالى:أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم } [يۤس: 81] والأول هو التفسير. ثم قال تعالى: { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } يعني لا تنفعهم الذكرى إذ لا تقبل التوبة ولا يحسب الإيمان، والمراد فكيف لهم الحال إذا جاءتهم ذكراهم، ومعنى ذلك يحتمل أن يكون هو قوله تعالى:هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [الأنبياء: 103]هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ } [الصافات: 21] فيذكرون به للتحسر، وكذلك قوله تعالى:ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا } [الزمر: 71].