الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ }

لما بيّن الله تعالى حال الكافر ذكر حال المنافق بأنه من الكفار، وقوله { وَمِنْهُمُ } يحتمل أن يكون الضمير عائداً إلى الناس، كما قال تعالى في سورة البقرةوَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءامَنَّا بِٱللَّهِ } [البقرة: 8] بعد ذكر الكفار، ويحتمل أن يكون راجعاً إلى أهل مكة، لأن ذكرهم سبق في قوله تعالى:هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِى أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَـٰهُمْ } [محمد: 13] ويحتمل أن يكون راجعاً إلى معنى قولهكَمَنْ هُوَ خَـٰلِدٌ فِى ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً } [محمد: 15] يعني ومن الخالدين في النار قوم يستمعون إليك، وقوله { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ } على ما ذكرنا حمل على المعنى الذي هو الجمع، ويستمع حمل على اللفظ، وقد سبق التحقيق فيه، وقوله { حَتَّىٰ } للعطف في قول المفسرين، وعلى هذا فالعطف بحتى لا يحسن إلا إذا كان المعطوف جزءاً من المعطوف عليه إما أعلاه أو دونه، كقول القائل: أكرمني الناس حتى الملك، وجاء الحاج حتى المشاة، وفي الجملة ينبغي أن يكون المعطوف عليه من حيث المعنى، ولا يشترط في العطف بالواو ذلك، فيجوز أن تقول في الواو: جاء الحاج وما علمت، ولا يجوز مثل ذلك في حتى، إذا علمت هذا فوجه التعلق ههنا هو أن قوله { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ } يفيد معنى زائداً في الاستماع كأنه يقول: يستمعون استماعاً بالغاً جيداً، لأنهم يستمعون وإذا خرجوا يستعيدون من العلماء كما يفعله المجتهد في التعلم الطالب للتفهم، فإن قلت فعلى هذا يكون هذا صفة مدح لهم، وهو ذكرهم في معرض الذم، نقول يتميز بما بعده، وهو أحد أمرين: إما كونهم بذلك مستهزئين، كالذكي يقول للبليد: أعد كلامك حتى أفهمه، ويرى في نفسه أنه مستمع إليه غاية الاستماع، وكل أحد يعلم أنه مستهزىء غير مستفيد ولا مستعيد، وإما كونهم لا يفهمون مع أنهم يستمعون ويستعيدون، ويناسب هذا الثاني قوله تعالى:كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } [الأعراف: 101]، والأول: يؤكده قوله تعالى:وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَـٰطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءونَ } [البقرة: 14]. والثاني: يؤكده قوله تعالى:قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَـٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ } [الحجرات: 14] وقوله { ءانِفاً } قال بعض المفسرين: معناه الساعة، ومنه الاستئناف وهو الابتداء، فعلى هذا فالأولى أن يقال يقولون ماذا قال آنفاً بمعنى أنهم يستعيدون كلامه من الابتداء، كما يقول المستعيد للمعيد: أعد كلامك من الابتداء حتى لا يفوتني شيء منه. ثم قال تعالى: { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ }. أي تركوا اتباع الحق إما بسبب عدم الفهم، أو بسبب عدم الاستماع للاستفادة واتبعوا ضده