الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ }

واعلم أنه تعالى لما احتج بكونه قادراً على الإحياء في المرة الأولى، وعلى كونه قادراً على الإحياء في المرة الثانية في الآيات المتقدمة، عمم الدليل فقال: { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي لله القدرة على جميع الممكنات سواء كانت من السموات أو من الأرض، وإذا ثبت كونه تعالى قادراً على كل الممكنات، وثبت أن حصول الحياة في هذه الذات ممكن، إذ لو لم يكن ممكناً لما حصل في المرة الأولى فيلزم من هاتين المقدمتين كونه تعالى قادراً على الإحياء في المرة الثانية. ولما بيّن تعالى إمكان القول بالحشر والنشر بهذين الطريقين، ذكر تفاصيل أحوال القيامة فأولها: قوله تعالى: { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } وفيه أبحاث: البحث الأول: عامل النصب في يوم تقوم يخسر، ويومئذ بدل من يوم تقوم. البحث الثاني: قد ذكرنا في مواضع من هذا الكتاب أن الحياة والعقل والصحة كأنها رأس المال، والتصرف فيها لطلب سعادة الآخرة يجري مجرى تصرف التاجر في رأس المال لطلب الربح، والكفار قد أتعبوا أنفسهم في هذه التصرفات وما وجدوا منها إلا الحرمان والخذلان فكان ذلك في الحقيقة نهاية الخسران وثانيها: قوله تعالى: { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } قال الليث الجثو الجلوس على الركب كما يجثى بين يدي الحاكم، قال الزجاج ومثله جذا يجذو، قال صاحب «الكشاف»: وقرىء جاذية، قال أهل اللغة والجذو أشد استيفازاً من الجثو، لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه، وعن ابن عباس جاثية مجتمعة مرتقبة لما يعمل بها. ثم قال تعالى: { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَـٰبِهَا } على الابتداء وكل أمة على الإبدال من كل أمة، وقوله { إِلَىٰ كِتَـٰبِهَا } أي إلى صحائف أعمالها، فاكتفى باسم الجنس كقوله تعالى:وَوُضِعَ ٱلْكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ } [الكهف: 49] والظاهر أنه يدخل فيه المؤمنون والكافرون لقوله تعالى بعد ذلك { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ }. ثم قال تعالى: { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فإن قيل الجثو على الركبة إنما يليق بالخائف والمؤمنون لا خوف عليهم يوم القيامة، قلنا إن المحق الآمن قد يشارك المبطل في مثل هذه الحالة إلى أن يظهر كونه محقاً. ثم قال تعالى: { ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ } والتقدير يقال لهم اليوم تجزون، فإن قيل كيف أضيف الكتاب إليهم وإلى الله تعالى؟ قلنا لا منافاة بين الأمرين لأنه كتابهم بمعنى أنه الكتاب المشتمل على أعمالهم وكتاب الله بمعنى أنه هو الذي أمر الملائكة بكتبه { يَنطِقُ عَلَيْكُم } أي يشهد عليكم بما عملتم من غير زيادة ولا نقصان { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ } الملائكة { مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي نستكتبهم أعمالكم. ثم بيّن أحوال المطيعين فقال: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِى رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: ذكر بعد وصفهم بالإيمان كونهم عاملين للصالحات، فوجب أن يكون عمل الصالحات مغايراً للإيمان زائداً عليه.

السابقالتالي
2