الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } * { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }

اعلم أنه تعالى بيّـن أنه أنعم بنعم كثيرة على بني إسرائيل، مع أنه حصل بينهم الاختلاف على سبيل البغي والحسد: والمقصود أن يبين أن طريقة قومه كطريقة من تقدم. واعلم أن النعم على قسمين: نعم الدين، ونعم الدنيا، ونعم الدين أفضل من نعم الدنيا، فلهذا بدأ الله تعالى بذكر نعم الدين، فقال { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ } والأقرب أن كل واحد من هذه الثلاثة يجب أن يكون مغايراً لصاحبه، أما الكتاب فهو التوراة، وأما الحكم ففيه وجوه، يجوز أن يكون المراد العلم والحكمة، ويجوز أن يكون المراد العلم بفصل الحكومات، ويجوز أن يكون المراد معرفة أحكام الله تعالى وهو علم الفقه، وأما النبوة فمعلومة، وأما نعم الدنيا فهي المراد من قوله تعالى: { وَرَزَقناهم مِّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } وذلك لأنه تعالى وسع عليهم في الدنيا، فأورثهم أموال قوم فرعون وديارهم ثم أنزل عليهم المن والسلوى، ولما بيّـن تعالى أنه أعطاهم من نعم الدين ونعم الدنيا نصيباً وافراً، قال: { وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمينَ } يعني أنهم كانوا أكبر درجة وأرفع منقبة ممن سواهم في وقتهم، فلهذا المعنى قال المفسرون المراد: وفضلناهم عن عالمي زمانهم. ثم قال تعالى: { وَءاتَيْنَـٰهُم بَيّنَـٰتٍ مّنَ ٱلأَمْرِ } وفيه وجوه الأول: أنه آتاهم بينات من الأمر، أي أدلة على أمور الدنيا الثاني: قال ابن عباس: يعني بيّـن لهم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يهاجر من تهامة إلى يثرب، ويكون أنصاره أهل يثرب الثالث: المراد { وَءاتَيْنَـٰهُم بَيّنَـٰتٍ } أي معجزات قاهرة على صحة نبوتهم، والمراد معجزات موسى عليه السلام. ثم قال تعالى: { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ } وهذا مفسر في سورةحـم * عسق } [الشورى: 1، 2] والمقصود من ذكر هذا الكلام التعجب من هذه الحالة، لأن حصول العلم يوجب ارتفاع الخلاف، وههنا صار مجيء العلم سبباً لحصول الاختلاف، وذلك لأنهم لم يكن مقصودهم من العلم نفس العلم، وإنما المقصود منه طلب الرياسة والتقدم، ثم ههنا احتمالات يريد أنهم علموا ثم عاندوا، ويجوز أن يريد بالعلم الدلالة التي توصل إلى العلم، والمعنى أنه تعالى وضع الدلائل والبينات التي لو تأملوا فيها لعرفوا الحق، لكنهم على وجه الحسد والعناد اختلفوا وأظهروا النزاع. ثم قال تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضي بَيْنَهم يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } والمرد أنه لا ينبغي أن يغتر المبطل بنعم الدنيا، فإنها وإن ساوت نعم المحق أو زادت عليها، فإنه سيرى في الآخرة ما يسؤوه، وذلك كالزجر لهم، ولما بيّـن تعالى أنهم أعرضوا عن الحق لأجل البغي والسحد، أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يعدل عن تلك الطريقة، وأن يتمسك بالحق، وأن لا يكون له غرض سوى إظهار الحق وتقرير الصدق، فقال تعالى: { ثُمَّ جَعَلْنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مّنَ ٱلأَمْرِ } أي على طريقة ومنهاج من أمر الدين، فاتبع شريعتك الثابتة بالدلائل والبينات، ولا تتبع ما لا حجة عليه من أهواء الجهال وأديانهم المبنية على الأهواء والجهل، قال الكلبي: إن رؤساء قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة: ارجع إلى ملة آبائك فهم كانوا أفضل منك وأسن، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

السابقالتالي
2 3