الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } * { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } * { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } * { لَقَدْ جِئْنَاكُم بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } * { أَمْ أَبْرَمُوۤاْ أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ } * { أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ }

اعلم أنه تعالى لما ذكر الوعد، أردفه بالوعيد على الترتيب المستمر في القرآن، وفيه مسائل: المسألة الأولى: احتج القاضي على القطع بوعيد الفسق بقوله { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ * لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } ولفظ المجرم يتناول الكافر والفاسق، فوجب كون الكل في عذاب جهنم، وقوله { خَـٰلِدُونَ } يدل على الخلود، وقوله أيضاً { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ } يدل على الخلود والدوام أيضاً والجواب: أن ما قبل هذه الآية وما بعدها، يدل على أن المراد من لفظ المجرمين ههنا الكفار، أما ما قبل هذه الآية فلأنه قال:يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ، ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَكَانوا مُسْلِمِينَ } [الزخرف: 68، 69] فهذا يدل على أن كل من آمن بآيات الله وكانوا مسلمين، فإنهم يدخلون تحت قوله { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } والفاسق من أهل الصلاة آمن بالله تعالى وبآياته وأسلم، فوجب أن يكون داخلاً تحت ذلك الوعد، ووجب أن يكون خارجاً عن هذا الوعيد، وأما ما بعد هذه الآية فهو قوله { جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقّ كَـٰرِهُونَ } والمراد بالحق ههنا إما الإسلام وإما القرآن، والرجل المسلم لا يكره الإسلام ولا القرآن، فثبت أن ما قبل هذه الآية وما بعدها، يدل على أن المراد من المجرمين الكفار، والله أعلم. المسألة الثانية: أنه تعالى وصف عذاب جهنم في حق المجرمين بصفات ثلاثة أحدهما: الخلود، وقد ذكرنا في مواضع كثيرة أنه عبارة عن طول المكث ولا يفيد الدوام وثانيها: قوله: { لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ } أي لا يخفف ولا ينقص من قولهم فترت عنه الحمى إذا سكنت ونقص حرها وثالثها: قوله { وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } والمبلس اليائس الساكت سكوت يائس من فرج، عن الضحاك يجعل المجرم في تابوت من نار، ثم يقفل عليه فيبقى فيه خالداً لا يرى، قال صاحب «الكشاف»: وقرىء { وَهُمْ فِيهَا } أي وهم في النار. المسألة الثالثة: احتج القاضي بقوله تعالى: { وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ وَلَـٰكِن كَانُواْ هُمُ ٱلظَّـٰلِمِينَ } فقال إن كان خلق فيهم الكفر ليدخلهم النار فما الذي نفه بقوله { وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ } وما الذي نسبه إليهم مما نفاه عن نفسه؟ أو ليس لو أثبتناه ظلماً لهم كان لا يزيد على ما يقوله القوم، فإن قالوا ذلك الفعل لم يقع بقدرة الله عزّ وجل فقط، بل إنما وقع بقدرة الله مع قدرة العبد معاً، فلم يكن ذلك ظلماً من الله. قلنا: عندكم أن القدرة على الظلم موجبة للظلم، وخالق تلك القدرة هو الله تعالى، فكأنه تعالى لما فعل مع خلق الكفر قدرة على الكفر خرج عن أن يكون ظالماً لهم، وذلك محال لأن من يكون ظالماً في فعل، فإذا فعل معه ما يوجب ذلك الفعل يكون بذلك أحق، فيقال للقاضي قدرة العبد هل هي صالحة للطرفين أو هي متعينة لأحد الطرفين؟ فإن كانت صالحة لكلا الطرفين فالترجيح إن وقع لا لمرجع لزم نفي الصانع، وإن افتقر إلى مرجح عاد التقسيم الأول فيه، ولا بد وأن ينتهي إلى داعية مرجحة يخلقها الله في العبد، وإن كانت متعينة لأحد الطرفين فحينئذٍ يلزمك ما أوردته علينا.

السابقالتالي
2 3