الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } * { وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } * { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

في الآية مسائل: المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى ذكر أنواعاً كثيرة من كفرياتهم في هذه السورة وأجاب عنها بالوجوه الكثيرة فأولها: قوله تعالى:وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءا } [الزخرف: 15] وثانيها: قوله تعالى:وَجَعَلُواْ ٱلْمَلَـئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَـٰثاً } [الزخرف: 19] وثالثها: قولهوَقَالُواْ لَوْ شَاء ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَـٰهُمْ } [الزخرف: 20] ورابعها: قولهوَقَالُواْ لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] وخامسها: هذه الآية التي نحن الآن في تفسيرها، ولفظ الآية لا يدل إلا على أنه لما ضرب ابن مريم مثلاً أخذ القوم يضجون ويرفعون أصواتهم، فأما أن ذلك المثل كيف كان، وفي أي شيء كان فاللفظ لا يدل عليه والمفسرون ذكروا فيه وجوهاً كلها محتملة فالأول: أن الكفار لما سمعوا أن النصارى يعبدون عيسى قالوا إذا عبدوا عيسى فآلهتنا خير من عيسى، وإنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يعبدون الملائكة الثاني: روي أنه لما نزل قوله تعالى:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] قال عبد الله بن الزبعري هذا خاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " بل لجميع الأمم " فقال خصمتك ورب الكعبة، ألست تزعم أن عيسى ابن مريم نبي وتثني عليه خيراً وعلى أمه، وقد علمت أن النصارى يعبدونهما واليهود يعبدون عزيراً والملائكة يعبدون، فإذا كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم فسكت النبي صلى الله عليه وسلم وفرح القوم وضحكوا وضجوا، فأنزل الله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } [الأنبياء: 101] ونزلت هذه الآية أيضاً والمعنى، ولما ضرب عبدالله بن الزبعري عيسى ابن مريم مثلاً وجادل رسول الله بعبادة النصارى إياه إذا قومك قريش منه أي من هذا المثل يصدون أي يرتفع لهم ضجيج وجلبة فرحاً وجدلاً وضحكاً بسبب ما رأوا من إسكات رسول الله فإنه قد جرت العادة بأن أحد الخصمين إذا انقطع أظهر الخصم الثاني الفرح والضجيج، وقالوا أآلهتنا خير أم هو يعنون أن آلهتنا عندك ليس خيراً من عيسى فإذا كان عيسى من حصب جهنم كان أمر آلهتنا أهون الوجه الثالث: في التأويل وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكى أن النصارى عبدوا المسيح وجعلوه إلهاً لأنفسهم، قال كفار مكة إن محمداً يريد أن يجعل لنا إلهاً كما جعل النصارى المسيح إلهاً لأنفسهم، ثم عند هذا قالوا { أآلهتنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } يعني أآلهتنا خير أم محمد، وذكروا ذلك لأجل أنهم قالوا: إن محمداً يدعونا إلى عبادة نفسه، وآباؤنا زعموا أنه يجب عبادة هذه الأصنام، وإذا كان لا بد من أحد هذين الأمرين فعبادة هذه الأصنام أولى، لأن آباءنا وأسلافنا كانوا متطابقين عليه، وأما محمد فإنه متهم في أمرنا بعبادته فكان الاشتغال بعبادة الأصنام أولى، ثم إنه تعالى بيّن أنا لم نقل إن الاشتغال بعبادة المسيح طريق حسن بل هو كلام باطل، فإن عيسى ليس إلا عبداً أنعمنا عليه، فإذا كان الأمر كذلك فقد زالت شبهتهم في قولهم: إن محمداً يريد أن يأمرنا بعبادة نفسه، فهذه الوجوه الثلاثة مما يحتمل كل واحد منها لفظ الآية.

السابقالتالي
2 3