الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ حـمۤ } * { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } * { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } * { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ }

اعلم أن قوله { حـم * وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ } يحتمل وجهين الأول: أن يكون التقدير هذه حٰم والكتاب المبين فيكون القسم واقعاً على أن هذه السورة هي سورة حٰم ويكون قوله { إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً } ابتداء لكلام آخر الثاني: أن يكون التقدير هذه حٰم. ثم قال: { وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً } فيكون المقسم عليه هو قوله { إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ قُرْءَاناً عَرَبِيّاً } وفي المراد بالكتاب قولان أحدهما: أن المراد به القرآن، وعلى هذا التقدير فقد أقسم بالقرآن أنه جعله عربياً الثاني: أن المراد بالكتاب الكتابة والخط أقسم بالكتابة لكثرة ما فيها من المنافع، فإن العلوم إنما تكاملت بسبب الخط فإن المتقدم إذا استنبط علماً وأثبته في كتاب، وجاء المتأخر ووقف عليه أمكنه أن يزيد في استنباط الفوائد، فبهذا الطريق تكاثرت الفوائد وانتهت إلى الغايات العظيمة، وفي وصف الكتاب بكونه مبيناً من وجوه الأول: أنه المبين للذين أنزل إليهم لأنه بلغتهم ولسانهم والثاني: المبين هو الذي أبان طريق الهدى من طريق الضلالة وأبان كل باب عما سواه وجعلها مفصلة ملخصة. واعلم أن وصفه بكونه مبيناً مجاز لأن المبين هو الله تعالى وسمي القرآن بذلك توسعاً من حيث إنه حصل البيان عنده. أما قوله { إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ قُرْءاناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ففيه مسائل: المسألة الأولى: القائلون بحدوث القرآن احتجوا بهذه الآية من وجوه الأول: أن الآية تدل على أن القرآن مجعول، والمجعول هو المصنوع المخلوق، فإن قالوا لم لا يجوز أن يكون المراد أنه سماه عربياً؟ قلنا هذا مدفوع من وجهين الأول: أنه لو كان المراد بالجعل هذا لوجب أن من سماه عجمياً أن يصير عجمياً وإن كان بلغة العرب ومعلوم أنه باطل الثاني: أنه لو صرف الجعل إلى التسمية لزم كون التسمية مجعولة، والتسمية أيضاً كلام الله، وذلك يوجب أنه فعل بعض كلامه، وإذا صح ذلك في البعض صح في الكل الثاني: أنه وصفه بكونه قرآناً، وهو إنما سمي قرآناً لأنه جعل بعضه مقروناً بالبعض وما كان كذلك كان مصنوعاً معمولاً الثالث: أنه وصفه بكونه عربياً، وهو إنما كان عربياً لأن هذه الألفاظ إنما اختصت بمسمياتهم بوضع العرب واصطلاحاتهم، وذلك يدل على كونه معمولاً ومجعولاً والرابع: أن القسم بغير الله لا يجوز على ما هو معلوم فكان التقدير حٰم ورب الكتاب المبين، وتأكد هذا أيضاً بما روي أنه عليه السلام كان يقول يا رب طه ويٰس ويا رب القرآن العظيم والجواب: أن هذا الذي ذكرتموه حق، وذلك لأنكم إنما استدللتم بهذه الوجوه على كون هذه الحروف المتوالية والكلمات المتعاقبة محدثة مخلوقة، وذلك معلوم بالضرورة ومن الذي ينازعكم فيه، بل كان كلامكم يرجع حاصله إلى إقامة الدليل على ما عرف ثبوته بالضرورة.

السابقالتالي
2 3