الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ ٱلإنسَانَ لَكَفُورٌ مُّبِينٌ } * { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بِٱلْبَنِينَ } * { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَـٰنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } * { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي ٱلْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي ٱلْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } * { وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ }

اعلم أنه تعالى لما قال:وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ } [الزخرف: 9] بين أنهم مع إقرارهم بذلك، جعلوا له من عباده جزءاً والمقصود منه التنبيه على قلة عقولهم وسخافة عقولهم. وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قرأ عاصم في رواية أبي بكر: { جُزْء } بضم الزاي والهمزة في كل القرآن وهما لغتان، وأما حمزة فإذا وقف عليه قال جزا بفتح الزاي بلا همزة. المسألة الثانية: في المراد من قوله { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً } قولان: الأول: وهو المشهور أن المراد أنهم أثبتوا له ولداً، وتقرير الكلام أن ولد الرجل جزء منه، قال عليه السلام: " فاطمة بضعة مني " ولأن المعقول من الوالد أن ينفصل عنه جزء من أجزائه، ثم يتربى ذلك الجزء ويتولد منه شخص مثل ذلك الأصل، وإذا كان كذلك فولد الرجل جزء منه وبعض منه، فقوله { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءا } معنى جعلوا حكموا وأثبتوا وقالوا به، والمعنى أنهم أثبتوا له جزءاً، وذلك الجزء هو عبد من عباده. واعلم أنه لو قال وجعلوا لعباده منه جزءاً، أفاد ذلك أنهم أثبتوا أنه حصل جزء من أجزائه في بعض عباده وذلك هو الولد، فكذا قوله { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً } معناه وأثبتوا له جزءاً، وذلك الجزء هو عبد من عباده، والحاصل أنهم أثبتوا لله ولداً، وذكروا في تقرير هذا القول وجوهاً أُخر، فقالوا الجزء هو الأنثى في لغة العرب، واحتجوا في إثبات هذه اللغة ببيتين فالأول قوله:
إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب   قد تجزىء الحرة المذكاة أحياناً
وقوله:
زوجتها من بنات الأوس مجزئة   للعوسج اللدن في أبياتها غزل
وزعم الزجاج والأزهري وصاحب «الكشاف»: أن هذه اللغة فاسدة، وأن هذه الأبيات مصنوعة والقول الثاني: في تفسير الآية أن المراد من قوله { وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً } إثبات الشركاء لله، وذلك لأنهم لما أثبتوا الشركاء لله تعالى فقد زعموا أن كل العباد ليس لله، بل بعضها لله، وبعضها لغير الله، فهم ما جعلوا لله من عباده كلهم، بل جعلوا له منهم بعضاً وجزءاً منهم، قالوا والذي يدل على أن هذا القول أولى من الأول، أنا إذا حملنا هذه الآية على إنكار الشريك لله، وحملنا الآية التي بعدها إلى إنكار الولد لله، كانت الآية جامعة للرد على جميع المبطلين. ثم قال تعالى: { أَمِ ٱتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَـٰكُم بِٱلْبَنِينَ }. واعلم أنه تعالى رتب هذه المناظرة على أحسن الوجوه، وذلك لأنه تعالى بيّن أن إثبات الولد لله محال، وبتقدير أن يثبت الولد فجعله بنتاً أيضاً محال، أما بيان أن إثبات الولد لله محال، فلأن الولد لا بد وأن يكون جزءاً من الوالد، وما كان له جزء كان مركباً، وكل مركب ممكن، وأيضاً ما كان كذلك فإنه يقبل الاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق، وما كان كذلك فهو عبد محدث، فلا يكون إلهاً قديماً أزلياً.

السابقالتالي
2 3