الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } * { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ }

اعلم أن الكلام إنما ابتدىء من قولهأَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } [فصلت: 6] واحتج عليه بقولهقُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِى خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } [فصلت: 9] وحاصله أن الإله الموصوف بهذه القدرة القاهرة كيف يجوز الكفر به، وكيف يجوز جعل هذه الأجسام الخسيسة شركاء له في الإلهية؟ ولما تمم تلك الحجة قال: { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَـٰعِقَةً مّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } وبيان ذلك لأن وظيفة الحجة قد تمت على أكمل الوجوه، فإن بقوا مصرين على الجهل لم يبق حينئذٍ علاج في حقهم إلا إنزال لعذاب عليهم فلهذا السبب قال: { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ } بمعنى أن أعرضوا عن قبول هذه الحجة القاهرة التي ذكرناها وأصروا على الجهل والتقليد { فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ } والإنذار هو: التخويف، قال المبرد والصاعقة الثائرة المهلكة لأي شيء كان، وقرىء { صَـٰعِقَةً مّثْلَ صَـٰعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } قال صاحب«الكشاف» وهي المرة من الصعق. ثم قال: { إِذْ جَاءتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } وفيه وجهان الأول: المعنى أن الرسل المبعوثين إليهم أتوهم من كل جانب واجتهدوا بهم وأتوا بجميع وجوه الحيل فلم يروا منهم إلا العتو والإعراض، كما جكى الله تعالى عن الشيطان قولهثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ } [الأعراف: 17] يعني لآتينهم من كل جهة ولأعملن فيهم كل حيلة، ويقول الرجل: استدرت بفلان من كل جانب فلم تؤثر حيلتي فيه. السؤال الثاني: المعنى: أن الرسل جاءتهم من قبلهم ومن بعدهم، فإن قيل: الرسل الذين جاؤا من قبلهم ومن بعدهم، كيف يمكن وصفهم بأنهم جاؤهم؟ قلنا: قد جاءهم هود وصالح داعيين إلى الإيمان بهما وبجميع الرسل، وبهذا التقدير فكأن جميع الرسل قد جاؤهم. ثم قال: { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ } يعني أن الرسل الذي جاؤهم من بين أيديهم ومن خلفهم أمروهم بالتوحيد ونفي الشرك، قال صاحب «الكشاف» أن في قوله { أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ ٱللَّهَ } بمعنى أي أو مخففة من الثقيلة أصله بأنه لا تعبدوا أي بأن الشأن والحديث قولنا لكم لا تعبدوا إلا الله. ثم حكى الله تعالى عن أولئك الكفار أنهم قالوا { لَوْ شَاء رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلَـٰئِكَةً } يعني أنهم كذبوا أولئك الرسل، وقالوا الدليل على كونكم كاذبين أنه تعالى لو شاء إرسال الرسالة إلى البشر لجعل رسله من زمرة الملائكة، لأن إرسال الملائكة إلى الخلق أفضى إلى المقصود من البعثة والرسالة، ولما ذكروا هذه الشبهة قالوا { فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } معناه: فإذاً أنتم بشر ولستم بملائكة، فأنتم لستم برسل، وإذا لم تكونوا من الرسل لم يلزمنا قبول قولكم، وهو المراد من قوله { فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ }.

السابقالتالي
2 3 4 5