الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ فَرْعَوْنُ يٰهَامَانُ ٱبْنِ لِي صَرْحاً لَّعَـلِّيۤ أَبْلُغُ ٱلأَسْبَابَ } * { أَسْبَابَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِباً وَكَـذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا كَـيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ }

اعلم أنه تعالى لما وصف فرعون بكونه متكبراً جباراً بين أنه أبلغ في البلادة والحماقة إلى أن قصد الصعود إلى السموات، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: احتج الجمع الكثير من المشبة بهذه الآية في إثبات أن الله في السموات وقرروا ذلك من وجوه الأول: أن فرعون كان من المنكرين لوجود الله، وكل ما يذكره في صفات الله تعالى فذلك إنما يذكره لأجل أنه سمع أن موسى يصف الله بذلك، فهو أيضاً يذكره كما سمعه، فلولا أنه سمع موسى يصف الله بأنه موجود في السماء وإلا لما طلبه في السماء، الوجه الثاني: أنه قال وإني لأظنه كاذباً، ولم يبين أنه كاذب فيماذا، والمذكور السابق متعين لصرف الكلام إليه فكأن التقدير فأطلع إلى الإله الذي يزعم موسى أنه موجود في السماء، ثم قال: { وَإِنّى لأَظُنُّهُ كَـٰذِباً } أي وإني لأظن موسى كاذباً في إدعائه أن الإله موجود في السماء، وذلك يدل على أن دين موسى هو أن الإله موجود في السماء الوجه الثالث: العلم بأنه لو وجد إله لكان موجوداً في السماء علم بديهي متقرر في كل العقول ولذلك فإن الصبيان إذا تضرعوا إلى الله رفعوا وجوههم وأيديهم إلى السماء، وإن فرعون مع نهاية كفره لما طلب الإله فقد طلبه في السماء، وهذا يدل على أن العلم بأن الإله موجود في السماء علم متقرر في عقل الصديق والزنديق والملحد والموحد والعالم والجاهل. فهذا جملة استدلالات المشبهة بهذه الآية، والجواب: أن هؤلاء الجهال يكفيهم في كمال الخزي والضلال أن جعلوا قول فرعون اللعين حجة لهم على صحة دينهم، وأما موسى عليه السلام فإنه لم يزد في تعريف إله العالم على ذكر صفة الخلاقية فقال في سورة طهرَبُّنَا ٱلَّذِى أَعْطَىٰ كُلَّ شَىء خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ } [طه: 50] وقال في سورة الشعراءرَبُّكُمْ وَرَبُّ ءابَائِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ * رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا } [الشعراء: 26، 28] فظهر أن تعريف ذات الله بكونه في السماء دين فرعون وتعريفه بالخلاقية والموجودية دين موسى، فمن قال بالأول كان على دين فرعون، ومن قال بالثاني كان على دين موسى، ثم نقول لا نسلم أن كل ما يقوله فرعون في صفات الله تعالى فذلك قد سمعه من موسى عليه السلام، بل لعله كان على دين المشبهة فكان يعتقد أن الإله لو كان موجوداً لكان حاصلاً في السماء، فهو إنما ذكر هذا الاعتقاد من قبل نفسه لا لأجل أنه قد سمعه من موسى عليه السلام. وأما قوله { وَإِنّى لأَظُنُّهُ كَـٰذِباً } فنقول لعله لما سمع موسى عليه السلام قال: { رَبّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } ظن أنه عنى به أنه رب السموات، كما يقال للواحد منا إنه رب الدار بمعنى كونه ساكناً فيه، فلما غلب على ظنه ذلك حكى عنه، وهذا ليس بمستبعد، فإن فرعون كان بلغ في الجهل والحماقة إلى حيث لا يبعد نسبة هذا الخيال إليه، فإن استبعد الخصم نسبة هذا الخيال إليه كان ذلك لائقاً بهم، لأنهم لما كانوا على دين فرعون وجب عليهم تعظيمه.

السابقالتالي
2 3 4