الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَقَدْ جَآءَكُـمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَآءَكُـمْ بِهِ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } * { ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُـلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ }

واعلم أن مؤمن آل فرعون لما قال:وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [غافر: 33] ذكر لهذا مثلاً، وهو أن يوسف لما جاءهم بالبينات الباهرة فأصروا على الشك والشبهة، ولم ينتفعوا بتلك الدلائل، وهذا يدل على أن من أضله الله فما له من هاد وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قيل إن يوسف هذا هو يوسف بن يعقوب عليهما السلام، ونقل صاحب «الكشاف» أنه يوسف بن أفراييم بن يوسف ابن يعقوب أقام فيهم نيفاً وعشرين سنة، وقيل إن فرعون موسى هو فرعون يوسف بقي حياً إلى زمانه وقيل فرعون آخر، والمقصود من الكل شيء واحد وهو أن يوسف جاء قومه بالبينات، وفي المراد بها قولان الأول: أن المراد بالبينات قولهأأرباب مُّتَّفَرّقُونَ خَيْرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } [يوسف: 39]، والثاني: المراد بها المعجزات، وهذا أولى، ثم إنهم بقوا في نبوته شاكين مرتابين، ولم ينتفعوا ألبتة بتلك البينات، فلما مات قالوا إنه { لَن يَبْعَثَ ٱللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً } وإنما حكموا بهذا الحكم على سبيل التشهي والتمني من غير حجة ولا برهان، بل إنما ذكروا ذلك ليكون ذلك أساساً لهم في تكذيب الأنبياء الذين يأتون بعد ذلك وليس في قولهم { لن يبعث الله من بعد رسولاً } لأجل تصديق رسالة يوسف وكيف وقد شكوا فيها وكفروا بها وإنما هو تكذيب لرسالة من هو بعده مضموماً إلى تكذيب رسالته، ثم قال: { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ } أي مثل هذا الضلال يضل الله كل مسرف في عصيانه مرتاب في دينه، قال الكعبي هذه الآية حجة لأهل القدر لأنه تعالى بين كفرهم، ثم بين أنه تعالى إنما أضلهم لكونهم مسرفين مرتابين، فثبت أن العبد ما لم يضل عن الدين، فإن الله تعالى لا يضله. ثم بيّـن تعالى ما لأجله بقوا في ذلك الشك والإسراف فقال: { ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ } أي بغير حجة، بل إما بناء على التقليد المجرد، وإما بناء على شبهات خسيسة { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ } والمقت هو أن يبلغ المرء في القوم مبلغاً عظيماً فيمقته الله ويبغضه ويظهر خزيه وتعسه. وفيه مسائل: المسألة الأولى: في ذمة لهم بأنهم يجادلون بغير سلطان دلالة على أن الجدال بالحجة حسن وحق وفيه إبطال للتقليد. المسألة الثانية: قال القاضي مقت الله إياهم يدل على أن فعلهم ليس بخلق الله لأن كونه فاعلاً للفعل وماقتاً له محال.المسألة الثالثة: الآية تدل على أنه يجوز وصف الله تعالى بأنه قد يمقت بعض عباده إلا أن ذلك صفة واجبة التأويل في حق الله كالغضب والحياء والتعجب، والله أعلم.

السابقالتالي
2