الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ ٱللَّهِ إِن جَآءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَآ أُرِيكُمْ إِلاَّ مَآ أَرَىٰ وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } * { وَقَالَ ٱلَّذِيۤ آمَنَ يٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } * { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعِبَادِ } * { وَيٰقَوْمِ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } * { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ }

اعلم أن مؤمن آل فرعون لما أقام أنواع الدلائل على أنه لا يجوز الإقدام على قتل موسى، خوفهم في ذلك بعذاب الله فقال: { يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَـٰهِرِينَ فِى ٱلأَرْضِ } يعني قد علوتم الناس وقهرتموهم، فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم ولا تتعرضوا لبأس الله وعذابه، فإنه لا قبل لكم به، وإنما قال: { يَنصُرُنَا } و { جَاءنَا } لأنه كان يظهر من نفسه أنه منهم وأن الذي ينصحهم به هو مشارك لهم فيه، ولما قال ذلك المؤمن هذا الكلام { قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى } أي لا أشير إليكم برأي سوى ما ذكرته أنه يجب قتله حسماً لمادة الفتنة { وَمَا أَهْدِيكُمْ } بهذا الرأي { إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } والصلاح، ثم حكى تعالى أن ذلك المؤمن رد هذا الكلام على فرعون فقال: { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ }. واعلم أنه تعالى حكى عن ذلك المؤمن أنه كان يكتم إيمانه، والذي يكتم كيف يمكنه أن يذكر هذه الكلمات مع فرعون، ولهذا السبب حصل ههنا قولان الأول: أن فرعون لما قال:ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ } [غافر: 26] لم يصرح ذلك المؤمن بأنه على دين موسى، بل أوهم أنه مع فرعون وعلى دينه، إلا أنه زعم أن المصلحة تقتضي ترك قتل موسى، لأنه لم يصدر عنه إلا الدعوة إلى الله والإتيان بالمعجزات القاهرة وهذا لا يوجب القتل، والإقدام على قتله يوجب الوقوع في ألسنة الناس بأقبح الكلمات، بل الأولى أن يؤخر قتله وأن يمنع من إظهار دينه، لأن على هذا التقدير إن كان كاذباً كان وبال كذبه عائداً إليه، وإن كان صادقاً حصل الانتفاع به من بعض الوجوه، ثم أكد ذلك بقولهإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } [غافر: 28] يعني أنه إن صدق فيما يدعيه من إثبات الإله القادر الحكيم فهو لا يهدي المسرف الكذاب، فأوهم فرعون أنه أراد بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } أنه يريد موسى وهو إنما كان يقصد به فرعون، لأن المسرف الكذاب هو فرعون والقول الثاني: أن مؤمن آل فرعون كان يكنم إيمانه أولاً، فلما قال فرعون { ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ } أزال الكتمان وأظهر كونه على دين موسى، وشافه فرعون بالحق. واعلم أنه تعالى حكى عن هذا المؤمن أنواعاً من الكلمات ذكرها لفرعون الأول: قوله { يٰقَوْمِ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } والتقدير مثل أيام الأحزاب، إلا أنه لما أضاف اليوم إلى الأحزاب وفسرهم بقوم نوح وعاد ثمود، فحينئذٍ ظهر أن كل حزب كان له يوم معين في البلاء، فاقتصر من الجمع على ذكر الواحد لعدم الالتباس، ثم فسّر قوله { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } بقوله { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ } ودأب هؤلاء دونهم في عملهم من الكفار والتكذيب وسائر المعاصي، فيكون ذلك دائباً ودائماً لا يفترون عنه، ولا بد من حذف مضاف يريد مثل جزاء دأبهم، والحاصل أنه خوفهم بهلاك معجل في الدنيا، ثم خوفهم أيضاً بهلاك الآخرة، وهو قوله { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } والمقصود منه التنبيه على عذاب الآخرة.

السابقالتالي
2 3