الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } * { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } * { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

اعلم أن المقصود من هذه الآية وصف يوم القيامة بأنواع أخرى من الصفات الهائلة المهيبة، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: ذكروا في تفسير يوم الآزفة وجوهاً الأول: أن يوم الآزفة هو يوم القيامة، والآزفة فاعلة من أزف الأمر إذا دنا وحضر لقوله في صفة يوم القيامةأَزِفَتِ ٱلأَزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } [النجم: 57، 58] وقال شاعر:
أزف الترحل غير أن ركابنا   لما تزل برحالنا وكأن قد
والمقصود منه التنبيه على أن يوم القيامة قريب ونظيره قوله تعالى:ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ } [القمر: 1] قال الزجاج إنما قيل لها آزفة لأنها قريبة وإن استبعد الناس مداها، وما هو كائن فهو قريب. واعلم أن الآزفة نعت لمحذوف مؤنث على تقدير يوم القيامة الآزفة أو يوم المجازاة الآزفة قال القفال: وأسماء القيامة تجري على التأنيث كالطامة والحاقة ونحوها كأنها يرجع معناها إلى الداهية والقول الثاني: أن المراد بيوم الآزفة وقت الآزفة وهي مسارعتهم إلى دخول النار، فإن عند ذلك ترتفع قلوبهم عن مقارها من شدة الخوف والقول الثالث: قال أبو مسلم يوم الآزفة يوم المنية وحضور الأجل، والذي يدل عليه أنه تعالى وصف يوم القيامة بأنه يوم التلاق، و { يَوْمَ هُم بَـٰرِزُونَ } ثم قال بعده { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ } فوجب أن يكون هذا اليوم غير ذلك اليوم، وأيضاً هذه الصفة مخصوصة في سائر الآيات بيوم الموت قال تعالى:فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } [الواقعة: 83، 84] وقال:كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ } [القيامة: 26] وأيضاً فوصف يوم الموت بالقرب أولى من وصف يوم القيامة بالقرب، وأيضاً الصفات المذكورة بعد قوله الآزفة لائقة بيوم حضور الموت لأن الرجل عند معاينة ملائكة العذاب يعظم خوفه، فكأن قلوبهم تبلغ حناجرهم من شدة الخوف، ويبقوا كاظمين ساكتين عن ذكر ما في قلوبهم من شدة الخوف ولا يكون لهم حميم ولا شفيع يدفع ما بهم من أنواع الخوف والقلق. المسألة الثانية: اختلفوا في أن المراد من قوله { إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَـٰظِمِينَ } كناية عن شدة الخوف أو هو محمول على ظاهره، قيل المراد وصف ذلك اليوم بشدة الخوف والفزع ونظيره قوله تعالى:وَبَلَغَتِ ٱلْقُلُوبُ ٱلْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِٱللَّهِ ٱلظُّنُونَاْ } [الأحزاب: 10] وقال:فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } [الواقعة: 83، 84] وقيل بل هو محمول على ظاهره، قال الحسن: القلوب انتزعت من الصدور بسبب شدة الخوف وبلغت القلوب الحناجر فلا تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا ويتروحوا ولكنها مقبوضة كالسجال كما قال:فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الملك: 27] وقوله { كَـٰظِمِينَ } أي مكروبين والكاظم الساكت حال امتلائه غماً وغيظاً فإن قيل بم انتصب { كَـٰظِمِينَ } قلنا هو حال أصحاب القلوب على المعنى لأن المراد إذ قلوبهم لدى الحناجر حال كاظمين كونهم ويجوز أيضاً أن يكون حال عن القلوب، وأن القلوب كاظمة على غم وكرب فيها مع بلوغها الحناجر، وإنما جمع الكاظمة جمع السلامة لأنه وصفها بالكظم الذي هو من أفعال العقلاء كما قال:

السابقالتالي
2 3 4 5