الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } * { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً }

اعلم أنه تعالى لما ذكر ثواب من أقدم على الجهاد أتبعه بعقاب من قعد عنه ورضي بالسكون في دار الكفر، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قال الفرّاء: إن شئت جعلت { تَوَفَّـٰهُمُ } ماضياً ولم تضم تاء مع التاء، مثل قوله:إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَـٰبَهَ عَلَيْنَا } [البقرة: 70] وعلى هذا التقدير تكون هذه الآية إخباراً عن حال أقوام معينين انقرضوا ومضوا، وإن شئت جعلته مستقبلاً، والتقدير: إن الذين تتوفاهم الملائكة، وعلى هذا التقدير تكون الآية عامة في حق كل من كان بهذه الصفة. المسألة الثانية: في هذا التوفي قولان: الأول: وهو قول الجمهور معناه تقبض أرواحهم عند الموت. فإن قيل: فعلى هذا القول كيف الجمع بينه وبين قوله تعالى:ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مِوْتِـهَا } [الزمر: 42]ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَوٰةَ } [الملك: 2]كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } [البقرة: 28] وبين قوله:قُلْ يَتَوَفَّـٰكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِى وُكّلَ بِكُمْ } [السجدة: 11]. قلنا: خالق الموت هو الله تعالى، والرئيس المفوض إليه هذا العمل هو ملك الموت وسائر الملائكة أعوانه. القول الثاني: { توفاهم الملائكة } يعني يحشرونهم إلى النار، وهو قول الحسن. المسألة الثالثة: في خبر إن وجوه: الأول: أنه هو قوله: قالوا لهم فيم كنتم، فحذف «لهم» لدلالة الكلام عليه. الثاني: أن الخبر هو قوله: { فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } فيكون قالوا لهم في موضع { ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ } ، لأنه نكرة. الثالث: أن الخبر محذوف وهو هلكوا، ثم فسّر الهلاك بقوله: { قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ } أما قوله تعالى: { ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ } ففيه مسألتان: المسألة الأولى: قوله: { ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ } في محل النصب على الحال، والمعنى تتوفاهم الملائكة في حال ظلمهم أنفسهم، وهو وإن أضيف إلى المعرفة إلا أنه نكرة في الحقيقة، لأن المعنى على الانفصال، كأنه قيل ظالمين أنفسهم، إلا أنهم حذفوا النون طلباً للخفة، واسم الفاعل سواء أُريد به الحال أو الاستقبال فقد يكون مفصولاً في المعنى وإن كان موصولاً في اللفظ، وهو كقوله تعالى:هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } [الأحقاف: 24]هَدْياً بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ } [المائدة: 95]ثَانِىَ عِطْفِهِ } [الحج: 9] فالإضافة في هذه المواضع كلها لفظية لا معنوية. المسألة الثانية: الظلم قد يراد به الكفر قال تعالى:إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13] وقد يراد به المعصيةفَمِنْهُمْ ظَـٰلِمٌ لّنَفْسِهِ } [فاطر: 32] وفي المراد بالظلم في هذه قولان: الأول: أن المراد الذين أسلموا في دار الكفر وبقوا هناك، ولم يهاجروا إلى دار الإسلام. الثاني: أنها نزلت في قوم من المنافقين كانوا يظهرون الإيمان للمؤمنين خوفاً، فإذا رجعوا إلى قومهم أظهروا لهم الكفر ولم يهاجروا إلى المدينة، فبيّن الله تعالى بهذه الآية أنهم ظالمون لأنفسهم بنفاقهم وكفرهم وتركهم الهجرة. وأما قوله تعالى: { قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ } ففيه وجوه: أحدها: فيم كنتم من أمر دينكم.

السابقالتالي
2 3