الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } * { دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

اعلم أن في كيفية النظم وجوهاً: الأول: ما ذكرناه أنه تعالى لما رغب في الجهاد أتبع ذلك بيان أحكام الجهاد. فالنوع الأول من أحكام الجهاد: تحذير المسلمين عن قتل المسلمين، وبيان الحال في قتلهم على سبيل الخطأ كيف، وعلى سبيل العمد كيف، وعلى سبيل تأويل الخطأ كيف، فلما ذكر ذلك الحكم أتبعه بحكم آخر وهو بيان فضل المجاهد على غيره وهو هذه الآية. الوجه الثاني: لما عاتبهم الله تعالى على ما صدر منهم من قتل من تكلم بكلمة الشهادة، فلعله يقع في قلبهم أن الأولى الاحتراز عن الجهاد لئلا يقع بسببه في مثل هذا المحذور، فلا جرم ذكر الله تعالى في عقيبه هذه الآية وبيّـن فيها فضل المجاهد على غيره إزالة لهذه الشبهة. الوجه الثالث: أنه تعالى لما عاتبهم على ما صدر منهم من قتل تكلم بالشهادة ذكر عقيبه فضيلة الجهاد، كأنه قيل: من أتى بالجهاد فقد فاز بهذه الدرجة العظيمة عند الله تعالى، فليحترز صاحبها من تلك الهفوة لئلا يخل منصبه العظيم في الدين بسبب هذه الهفوة، والله أعلم وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: قرىء { غَيْرُ أُوْلِى ٱلضَّرَرِ } بالحركات الثلاث في { غَيْرِ } فالرفع صفة لقوله: { ٱلْقَـٰعِدُونَ } والمعنى لا يستوي القاعدون المغايرون لأولي الضرر والمجاهدون، ونظيره قوله:أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى ٱلإِرْبَةِ } [النور: 31] وذكرنا جواز أن يكون { غَيْرِ } صفة المعرفة في قوله:غَيْرِ ٱلْمَغْضُوبِ } [الفاتحة: 7] قال الزجاج: ويجو أن يكون { غَيْرِ } رفعاً على جهة الاستثناء، والمعنى لا يستوي القاعدون والمجهدون إلا أولي الضرر فإنهم يساوون المجاهدين، أي الذين أقعدهم عن الجهاد الضرر، والكلام في رفع المستثنى بعد النفي قد تقدم في قوله:مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مّنْهُمْ } [النساء: 66] و أما القراءة بالنصب ففيها وجهان. الأول: أن يكون استثناء القاعدين، والمعنى لا يستوي القاعدون إلا أولي الضرر، وهو اختيار الأخفش. الثاني: أن يكون نصباً على الحال، والمعنى لا يستوي القاعدون في حال صحتهم، والمجاهدون، كما تقول: جاءني زيد غير مريض، أي جاءني زيد صحيحاً، وهذا قول الزجاج والفرّاء وكقوله:أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلّى ٱلصَّيْدِ } [المائدة: 1] وأما القراءة بالجر فعلى تقدير أن يجعل { غَيْرِ } صفة للمؤمنين، فهذا بيان الوجوه في هذه القراءات. ثم ههنا بحث آخر: وهو أن الأخفش قال: القراءة بالنصب على سبيل الاستثناء أولى لأن المقصود منه استثناء قوم لم يقدروا على الخروج. روي في التفسير أنه لما ذكر الله تعالى فضيلة المجاهدين على القاعدين جاء قوم من أولي الضرر فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: حالتنا كما ترى، ونحن نشتهي الجهاد، فهل لنا من طريق؟ فنزل { غَيْرُ أُوْلِى ٱلضَّرَرِ } فاستثناهم الله تعالى من جملة القاعدين.

السابقالتالي
2 3 4