الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }

اعلم أنه تعالى لما ذكر حكم القتل الخطأ ذكر بعده بيان حكم القتل العمد، وله أحكام مثل وجوب القصاص والدية، وقد ذكر تعالى ذلك في سورة البقرة وهو قوله:يـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى } [البقرة: 178] فلا جرم ههنا اقتصر على بيان ما فيه من الاثم والوعيد، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: استدلت الوعيدية بهذه الآية على أمرين: أحدهما: على القطع بوعيد الفساق. والثاني: على خلودهم في النار، ووجه الاستدلال أن كلمة «من» في معرض الشرط تفيد الاستغراق، وقد استقصينا في تقرير كلامهم في سورة البقرة في تفسير قوله:بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَـٰطَتْ بِهِ خَطِيـئَـتُهُ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } [البقرة: 81] وبالغنا في الجواب عنها، وزعم الواحدي أن الأصحاب سلكوا في الجواب عن هذه الآية طرقا كثيرة. قال: وأنا لا أرتضي شيئا منها لأن التي ذكروها إما تخصيص، وإما معارضة، وإما إضمار، واللفظ لا يدل على شيء من ذلك. قال: والذي أعتمده وجهان: الأول: إجماع المفسرين على أن الآية نزلت في كافر قتل مؤمنا ثم ذكر تلك القصة. والثاني: أن قوله: { فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ } معناه الاستقبال أي أنه سيجزى بجهنم، وهذا وعيد قال: وخلف الوعيد كرم، وعندنا أنه يجوز أن يخلف الله وعيد المؤمنين، فهذا حاصل كلامه الذي زعم أنه خير مما قاله غيره. وأقول: أما الوجه الأول فضعيف، وذلك لأنه ثبت في أصول الفقه أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فاذا ثبت أن اللفظ الدال على الاستغراق حاصل، فنزوله في حق الكفار لا يقدح في ذلك العموم، فيسقط هذا الكلام بالكلية، ثم نقول: كما أن عموم اللفظ يقتضي كونه عاما في كل قاتل موصوف بالصفة المذكورة، فكذا ههنا وجه آخر يمنع من تخصيص هذه الآية بالكافر، وبيانه من وجوه: الأول: أنه تعالى أمر المؤمنين بالمجاهدة مع الكفار ثم علمهم ما يحتاجون اليه عند اشتغالهم بالجهاد، فابتدأ بقوله:ما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ } [النساء: 92] فذكر في هذه الآية ثلاث كفارات: كفارة قتل المسلم في دار الاسلام، وكفارة قتل المسلم عند سكونه مع أهل الحرب، وكفارة قتل المسلم عند سكونه مع أهل الذمة وأهل العهد، ثم ذكر عقيبه حكم قتل العمد مقرونا بالوعيد، فلما كان بيان حكم قتل الخطأ بيانا لحكم اختص بالمسلمين كان بيان حكم القتل العمد الذي هو كالضد لقتل الخطأ، وجب أن يكون أيضا مختصا بالمؤمنين، فإن لم يختص بهم فلا أقل من دخولهم فيه. الثاني: أنه تعالى قال بعد هذه الآية:يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ لَسْتَ مُؤْمِناً }

السابقالتالي
2 3