الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً }

في النظم وجهان: الأول: أنه لما أمر المؤمنين بالجهاد أمرهم ايضا بأن الاعداء لو رضوا بالمسألة فكونوا أنتم أيضا راضين بها، فقوله: { وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } كقوله تعالى:وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } [الأنفال: 61]. الثاني: ان الرجل في الجهاد كان يلقاه الرجل في دار الحرب أو ما يقاربها فيسلم عليه، فقد لا يلتفت الى سلامه عليه ويقتله، وربما ظهر أنه كان مسلما، فمنع الله المؤمنين عنه وأمرهم ان كل من يسلم عليهم ويكرمهم بنوع من الاكرام يقابلونه بمثل ذلك الاكرام أو أزيد، فانه ان كان كافرا لا يضر المسلم ان قابل إكرام ذلك الكافر بنوع من الاكرام، أما ان كان مسلما وقتله ففيه أعظم المضار والمفاسد، وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: التحية تفعلة من حييت، وكان في الاصل تحيية، مثل التوصية والتسمية، والعرب تؤثر التفعلة على التفعيل في ذوات الاربعة، نحو قوله:وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } [الواقعة: 94] فثبت أن التحية أصلها التحيية ثم أدغموا الياء في الياء. المسألة الثانية: اعلم أن عادة العرب قبل الاسلام أنه إذا لقي بعضهم بعضا قالوا: حياك الله واشتقاقه من الحياة كأنه يدعو له بالحياة، فكانت التحية عندهم عبارة عن قول بعضهم لبعض حياك الله، فلما جاء الاسلام أبدل ذلك بالسلام، فجعلوا التحية اسما للسلام. قال تعالى:تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَـٰمٌ } [الأحزاب: 44] ومنه قول المصلى: التحيات لله، أي السلام من الآفات لله، والأشعار ناطقة بذلك. قال عنترة:
حييت من طلل تقادم عهده   
وقال آخر:
إنا محيوك يا سلمى فحيينا   
واعلم أن قول القائل لغيره: السلام عليك أتم وأكمل من قوله: حياك الله، وبيانه من وجوه: الأول: أن الحي إذا كان سليما كان حيا لا محالة، وليس إذا كان حياً كان سليما، فقد تكون حياته مقرونة بالآفات والبليات، فثبت أن قوله: السلام عليك أتم وأكمل من قوله: حياك الله. الثاني: أن السلام اسم من أسماء الله تعالى، فالابتداء بذكر الله أو بصفة من صفاته الدالة على أنه يريد ابقاء السلامة على عباده أكمل من قوله: حياك الله. الثالث: أن قول الانسان لغيره: السلام عليك فيه بشارة بالسلامة، وقوله: حياك الله لا يفيد ذلك، فكان هذا أكمل. ومما يدل على فضيلة السلام القرآن والأحاديث والمعقول، أما القرآن فمن وجوه: الأول: اعلم أن الله تعالى سلم على المؤمن في اثني عشر موضعا: أولها: أنه تعالى كأنه سلم عليك في الأزل، ألا ترى أنه قال في وصف ذاته:الملك القدوس السلام } [الحشر: 23] وثانيها: أنه سلم على نوح وجعل لك من ذلك السلام نصيبا، فقال:قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مّنَّا وَبَركَـٰتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ } [هود: 48] والمراد منه أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وثالثها: سلم عليك على لسان جبريل، فقال:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7